يضطرم العالم الإسلامي ويحتقن كالمرجل، بين نزاعات تقضم أطرافه وحروب أهلية وخلافات عرقية ومذهبية وجهوية على نحو جعل من هذه الدول في مقدمة الدول المنضوية في ركب التخلف مما انعكس جلياً على أوضاعها الأمنية والصحية والاقتصادية، حيث تنتشر الحروب الأهلية بين هذه الأطراف في تلك الدول، الأمر الذي أدى إلى وقوع كثير من الدول الإسلامية في معترك المجاعات وما تجره من انتشار الأمراض وفتك الأوبئة، ولهذا ينشغل كثير من الدول في محاولة إطفاء هذه الحرائق وتسوية أمور هذه الخلافات التي هي في معظمها تطلعات فردية أنانية على حساب المجموع.
وتأتي المملكة العربية السعودية – دائماً - في مقدمة الركب الذي يسعى لتذويب الخلافات وحل النزاعات وتسوية الأمور والوصول إلى كلمة سواء بين المتنازعين، بل إن المملكة هي رائدة التضامن الإسلامي، وهو الاتجاه الذي دعت إليه وتولت رعايته منذ عقود طويلة من خلال عقد المؤتمرات التي تجمع قادة هذه الدول أو من خلال دعوة الأطراف المتنازعة وجمعها في مقام واحد، والسعي لتغليب مصلحة البلاد وحلحلة الخلافات ذات البعد القبلي أو الحزبي، والإيعاز للأطراف المختلفة لجعل الولاء للوطن أولى وأحق من الولاءات والانجذابات الخارجية، ولطالما عقدت المملكة العربية السعودية مؤتمرات مصالحة في مساعيها الحثيثة لإطفاء نار الخلافات بين المتنازعين في بلد واحد.
وتأتي قمة مكة الاستثنائية للتضامن الإسلامي والتي ينعقد لواؤها غداً الثلاثاء وبعد غد الأربعاء في مكة المكرمة لتؤكد وتعزز من هذا التوجه الإسلامي المبارك، الذي هو سيرة حكم رشيد لكل حكام المملكة منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، يرحمه الله. وبلا شك أن أهمية هذا المؤتمر تنبع من الظروف العصيبة التي تنخرط فيها دول الشرق الأوسط فيما عرف بالربيع العربي، بما يحتم لملمة الوضع وبما يحول دون تفاقم الأمور وترديها في مهاوي الفرقة والنزاعات وما يورثه ذلك – كما قلنا – من مجاعات ومصاعب تنموية في حقول الاحتياجات الأساسية (التعليم والصحة والاقتصاد). ولا شك أن الشعوب العربية والإسلامية تعلق أملاً كبيرا على هذا المؤتمر انطلاقاً من الدور الرئيسي التوافقي الذي تمثله المملكة بثقلها الإسلامي والقومي والاقتصادي، وبدورها القيادي في محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، وبما تكتنزه مكانتها من مصداقية وقبول لدى كافة الأطراف، بالنظر إلى حيادها وعدم تحزبها أو انحيازها ونأيها عن الاصطفاف والاستقطاب بكافة أشكاله المذهبية أو العرقية. والمملكة تسعى ـ إلى جانب الدول المشاركة في هذا المؤتمر ـ لرسم خارطة الطريق للدول والشعوب الإسلامية بما يحقن دماءهم ويجمع كلمتهم ويوحد أهدافهم في مواجهة التحديات الراهنة، والتي يقف على رأسها مواجهة المخاطر والفتن والالتفات إلى تحقيق النماء والتطور وتكريس أهداف التنمية الأساسية وتحقيق متطلبات الشعوب في الأمن والصحة والتعليم، بعيداً عن التجاذبات ومحاولات تصيد الأخطاء والتدخل في شؤون الدول وتأجيج الطائفية المقيتة.
تشرئب أعناق المسلمين في هذه الأيام المباركة، كما هو حالها دائما، نحو مكة المكرمة وهي تتطلع إلى نتائج هذه القمة الاستثنائية، مؤملة أن يكون لهذا المؤتمر أثره الإيجابي بما يسهم في تغيير حال التضامن الإسلامي إلى ما هو أقوى وأجدى، خاصة أن هذا المؤتمر يحظى في انعقاده بشرف المكان والزمان، بما يجعلنا نرفع سقف آمالنا وتطلعاتنا نحو الأفضل لعالمنا الإسلامي الموجود بخلافاته التي لا تنقضي ونزاعاته التي لا تنفك. والله من وراء القصد.