أرض المملكة العربية السعودية هي منطلق الرسالات ومهبط الوحي وحاضنة الحرمين الشريفين، وتأسست على مبادىء العقيدة الإسلامية، وحباها الله من النعم ما جعلها تتبوأ مكانة ريادية في العالم الإسلامي بشكل خاص وفي العالم بشكل عام. وهي المقر لرابطة العالم الإسلامي والمقر لمنظمة الدول الإسلامية.. ويتوجه مليارا مسلم في أنحاء الكرة الأرضية إلى مكة خمس مرات في اليوم لأداء واحدة من أهم الشعائر الإسلامية.. ولهذا فالمملكة العربية السعودية تستشعر دورها الريادي في هذا الوقت الذي لا يكاد يخلو فيه مكان يتواجد فيه المسلمون من الحروب والقلاقل، وفي بعض الأحيان التصفيات المتعمدة. في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي انتكاسات على كل المستويات.. فالعالم الإسلامي يُحارب، والعالم الإسلامي متخلف في تقنيات العصر، والعالم الإسلامي متخلف اقتصادياً، والعالم الإسلامي متهم بالإرهاب ومتهم بالتطرف ومتهم بكراهية الآخر والسعي لاستئصاله. والعالم الإسلامي يتعرض للمؤامرات والتكتلات ضده.. وفي ظل تعرض العالم الإسلامي لكل ذلك استشعرت بلادنا دورها في هذا الوقت العصيب بهدف جمع كلمة المسلمين ولم صفوفهم واستجماع قوتهم لمعالجة تلك القضايا، وتخليص الأمة من هذه الأزمات المتلاحقة، لإيمانها العميق بأن هذه المشكلات لا يمكن حلها بالتعصبات الضيقة والولاءات الطائفية والتكتلات الحزبية، بل يمكن حلها بتكتل العالم الإسلامي بأكمله كتلة واحدة تتضامن وتتكاتف وتتعاون ليشد بعضها بعضا.
دعت المملكة قادة العالم الإسلامي للحوار لأنها تؤمن بأن خلاص العالم من مشكلاته في هذا العصر هو عن طريق التضامن الذي نرى كيف انتهجته دول العالم المتقدم وجعل منها قوة ضاربة تتصدى لمشكلاتها بكل اقتدار. انظروا على سبيل المثال إلى الاتحاد الأوروبي كيف تكتلت دوله واجتمعت وصارت وحدة واحدة وهي مختلفة الثقافات.. متفرقة اللغات.. متعددة التوجهات.
وكنت في مقالتي السابقة عن مؤتمر التضامن الإسلامي قد تقدمت بثلاثة مقترحات تتعلق بمعالجة ضعف الأمة وخطابها واقتصادها. فنتيجة لهذه المشكلات الثلاث تعيش الأمة الإسلامية ثلاثة مآزق: فهي تعيش على هامش الحياة، وهي لا تستثمر كل جهود أفرادها، وقضاياها العادلة تخسر بينما قضايا الآخر الخاسرة تنتصر. فعن القضية الأولى نسأل: لماذا نعيش على هامش الحياة؟ لماذا نحن فقط للاستهلاك دون أن يكون لنا دور في الابتكارات والإنتاج؟ وإلى متى يستمر ذلك؟ وكيف استطاعت دول تقل إمكاناتها عن إمكانات الدول الإسلامية أن تقفز على حاجز التنمية وعصر المعلومات بنجاح وتحقق نجاحات ومكاسب هي قريبة من دول سبقتها إلى التقدم بأجيال عديدة؟ وهل نفكر تفكيراً جدياً في هذه القضية؟ وهل لدينا خطط للقفز على حاجز التنمية وعصر المعلومات الذي يأخذ في الارتفاع كلما تقدم بنا الزمن؟ وهل أخذنا في اعتبارنا قضية تباعد المسافة وارتفاع هذا الحاجز وإمكانية عجزنا عن القفز عليه إذا تأخرنا؟ وهل تأخذ خططنا اكتشاف موهوبينا ومبدعينا؟ وبعد اكتشافهم هل تتضمن خططنا كيفية التعامل مع مكتشفاتهم واختراعاتهم؟
هذه أسئلة مهمة تدور في الذهن كلما رأينا خطوات متقدمة للآخرين ونحن في موقف المتفرج المستهلك.. لنعيد توجيه السؤال السابق: إلى متى يستمر موقفنا المتفرج المستهلك؟ إننا كأمة إسلامية نملك من الإمكانات والعقول والثروات ما لا يعفينا من الخروج من مواقفنا المتخلفة من دول العالم وما لا يعفينا من بقائنا متفرجين مستهلكين.. إن هذا يشعرنا بالدونية بين دول العالم.. ولا أظن أن هناك ما يبرر ذلك. فكيف نقبل هذا الوضع على أنفسنا؟
وما يتعلق بالقضية الثانية، فأمتنا تحتاج إلى كل جهد مهما قل من أبنائها.. وتحتاج إلى أن نتآخى ونتعاون ونتحاب لنقوى بالله ثم ببعضنا. نحتاج إلى أن نغير من أنماط تفكيرنا الحالية التي تدعونا للمناقشة ثم الاختلاف ثم الانقسام على أمور يمكننا تأجيلها ـ وكأنه لم يتبق من مشكلات المسلمين إلا هي ـ ثم يمكننا تناولها بالحوار الهادئ البناء لمعالجتها. دعونا نؤجل النقاش في بعض القضايا إلى وقتها وتعالوا نجتمع معاً كلنا أبناء الأمة الواحدة، مهما كان رأينا في بعض الأمور التي لا أقلل من أهميتها، نناقش كيف تقوى الأمة وكيف تتوحد الأمة وكيف تتقدم الأمة. يا عقلاء الأمة اعملوا بكل ما أوتيتم من جهد ومكانة لتأجيل مناقشة القضايا التي طغت على الساحة الإسلامية وتسارع الآن في ضعفنا وانقسامنا وحولوا اهتمام المسلمين إلى مناقشة ما يقويهم ويجمعهم. تحملوا مسؤولياتكم ولا تدعوا أموراً يمكن تأجيلها أن تطغى على فكر واهتمام أبناء الأمة. إنكم أمام مسؤولية عظيمة لتغيير نمط فكر الأمة وتوجيهه إلى ما ينفعها، وإلا تحملوا التبعات.
وفيما يتعلق بالقضية الثالثة دعونا نفكر كيف تُعامل قضايانا العادلة على مستوى العالم.. إننا أصحاب قضايا عادلة نخسر أمام أصحاب القضايا الخاسرة بسبب ضعفنا وهواننا على الآخرين. إننا أصحاب عقيدة صحيحة نقية فريدة قويمة فيها قيم ومثل في منتهى السمو والنقاء.. لكننا لم نكشف هذا في تصرفاتنا وحواراتنا. وأدى ذلك إلى هواننا على أنفسنا ومن ثم هواننا على الآخرين.. وأدى إلى تكتل العالم ضدنا وتحيزه لعدونا في قضايانا العادلة.. والأمثلة على ذلك كثيرة، وقضية فلسطين أهمها وأشهرها...وحدتنا في مواجهةٍ موضوعية وحازمة وصريحة وجادة لمواجهة هذا التحيز ستحمل الآخرين على احترامنا واحترام قضاياتنا والوقوف بعدل وإنصاف عند التعامل معها..وستضطرهم إلى تغيير سياساتهم وحلحلة مواقفهم المتحيزة، وبالتالي تحقيق الاستقرار المبني على العدل والمساواة.
وخلاصة القول، لا شك أن في العالم الإسلامي من الاختلاف والتناقض والمشكلات ما يجعل من مهمة التضامن صعبة.. لكن الأمل معقود في قادة العالم الإسلامي بتجاوز الخلافات واستشعار مسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم ليواجهوا قضايا العصر ومشكلات الأمة، وما ألحق بالدين زوراً من تشويه وما ألصق به بهتاناً من تحريف.. إن هذا الاجتماع فرصة مواتية قد لا تعود.. فرصة مواتية لمصلحة الجميع. الكل فيها كاسب والكل فيها يجني ثمرته ويعود نفعه عليه.. نسأل الله جلت قدرته أن يكلل جهود بلادنا بالتوفيق في لم شمل العالم الإسلامي في وحدة يقوى بها الدين ويُعز بها المسلمون وتُنصر بها القضايا.. نسأل الله تعالى ونحن في هذه الأيام المباركات أن يكتب التوفيق والنجاح لاجتماع المسلمين هذه الأيام في أطهر بقاع الأرض، مكة المكرمة، وأن يلهم المجتمعين الحكمة والصواب وجمع الكلمة وتوحيد الصف.