على الرغم من أن المهرجان الذي يقيمه حاليا نادي نجران الأدبي يحمل اسمه كرمز تاريخي يتفق على سيرته معظم المؤرخين إلا أن المحاضرة التي أقيمت مساء أول من أمس وخصصت للحديث عن "قس بن ساعدة" أظهرت أنه ما زال هناك اختلاف في الآراء حول اسم وعمر سيد الخطابة العربية. حيث سرد الكاتب علي إبراهيم مغاوي في المحاضرة التي أدارها الدكتور عبدالعزيز الطلحي بعض ما ورد من تباين في كتب التاريخ والأدب العربي حول "قس بن ساعدة" سواء في نطق الاسم أو العمر الذي أوصله بعض المؤرخين لمئات السنين، وهو ما أثار بعض التساؤلات لدى المداخلين حتى أن بعضهم ذكر الاسم بحركات مختلفة مثل فتح "القاف".
وبدأ مغاوي حديثه بالتأكيد على أن قس بن ساعدة الإيادي، رمز أدبي تاريخي نعيد من خلاله إنتاج مدونات موثقة حول مشاهير تعتبر سيرهم ونتاجهم الأدبي استجوابا لمراحل هامة في تاريخ الجزيرة العربية عموما، مشيرا إلى أن ابن ساعدة لم يكتب عنه سوى "أخبار قس" لابن درستويه، ولم يبق منه سوى ما نقله عنه (ابن كثير) في البداية والنهاية، أو كتاب الخلال البغدادي أبو محمد الحسين بن محمد "أخبار قس بن ساعدة الإيادي"، حيث لا يوجد إلا مخطوطاً في المكتبة الظاهرية بدمشق.. وأخيرا كتاب "قس بن ساعدة الإيادي" للدكتور: أحمد الربيعي.
وتساءل مغاوي "ما الذي منع أهل المكان من إصدار عمل عنه، واهتمامنا ربما بمن دونه قد تجاوز حدود الوطن؟".
واستطرد بقوله إن "الحديث عن سيرة الخطيب والشاعر والأسقف، قس بن ساعدة الإيادي، حديث حول من اختُلِف حول اسمِه ومكانِه وديانتِه، وحول من اتُّفِقَ على إبداعه وحكمته وبلاغتة".
وعرج المحاضر على بعض ما ورد في اسم "قس" قائلا "تعارف الناس على نطقه قس بن ساعدة بكسر القاف متبعين ما جاء في كثير من المراجع ومنها معجم الشعراء الجاهليين، على أن هناك من ينطقها "قَسْ" بفتح القاف كما أورده الجاحظ في البيان والتبيين، وكما أورده ابن كثير في البداية والنهاية 2– 23 وغيرهما من المراجع المعتبرة".
ثم تحدث عن سيرته، فيما كان من المفترض أن يشاركه في المحاضرة التونسي الدكتور أحمد الحيزم عن خطاب "قس بن ساعدة" ولكن ظروف الطيران منعته من الحضور.
ثم أتيح للحضور أن يأخذوا قسطا من الشعر من خلال الاستماع إلى ثلاثة شعراء هم محمد الجلواح ومريع سوادي وغرم الله الصقاعي، وذلك بعد تأخر الشاعرين عبدالله الصيخان وجاسم عن الحضور بسبب ظروف الطيران.
وحفلت الأمسية بتنوع الخطوط الفنية الشعرية، حيث كلما ذهب الشاعر سوادي للتفعيلة قدم الجلواح قصائد وجدانية بالشكل العمودي، يتلوه الشاعر الصقاعي بقصائد تجمع بين التفعيلة والنثرية.
ولم تخل الأمسية من أجواء "قس بن ساعدة " حيث قرأ سوادي قصيدة بعنوان "أما بعد" وهي الجملة التي اشتهر بها "ابن ساعدة". وحسب تعليق غرم الله الصقاعي بعد الأمسية فإن "نجران احتفلت بيوم الشعر مساء أول من أمس قبل أن تشرق شمسه أمس الأربعاء".
من ناحية أخرى لم تكن طاولات المقهى الثقافي الذي أقيم في نفس المساء في بهو أحد فنادق نجران ضمن فعاليات مهرجان "قس بن ساعدة الإيادي"، مليئة بأكواب الشاي أو القهوة كالعادة، بل كان مسرح "ملحمة الأخدود" هو الحاضر الوحيد على طاولات المقهى الذي احتضن عددا من ضيوف المهرجان. حيث طرح خلالها مستشار المهرجان إبراهيم طالع تشبيهه عمل "ملحمة الأخدود" بالملاحم الإغريقية في تناوله الفني لقصة فكرية وإنسانية شهيرة مرتبطة بالمكان الذي ما زال يحمل الكثير من الأسرار. وأضاف "المؤلف والمخرج استطاعا إخراج عمل يمكن تطويره والعمل عليه للعرض في أي مكان بالعالم".
من جانبه أكد المسرحي نايف البقمي "أحد مشرفي العمل" على أن تنفيذ الملحمة واجه الكثير من التحديات، سواء في جانب الطرح الحساس أو الكلفة المادية والبشرية وطبيعة المناسبة التي تستلزم ضغط الوقت بأقصر مدة ممكنة في ظل أصالة وعراقة وأهمية القصة التاريخية التي بني عليها.
واختتم الحوار الذي استمر حوالي الساعة والنصف مخرج العمل، سلطان الغامدي، بالقول "أنا سعدت جدا بهذا النقاش الذي هو كنزي الحقيقي، ولا يمكنني إلا أن أشيد بمهنية الزملاء المسرحيين المحترفين الذين شاركونا في العمل وكان لهم بصمات واضحة في رسم ملامح الإخراج".
..ومطالبة بتغيير "قس" إلى "الأخدود"
نجران: سلمان آل مقرح
طالب رئيس النادي الأدبي بالأحساء الدكتور ظافر الشهري القائمين على المهرجان بتغيير مسماه إلى "مهرجان الأخدود" ليكون أكثر شمولية وتنوعا في إحياء ذكرى الأعلام الأدبية التي كانت في مدينة الأخدود "نجران".
واستعرض الشهري خلال محاضرته "حركـة الشعر في نجران في عصري الجـاهليـة وصدر الإسلام" ضمن فعاليات مهرحان "قس بن ساعدة" صباح أمس، أنسـاب القبائل التي سكنت نجران في العصـر الجـاهلي وتنتسب إلى مذحج وهي: الحارث بن كعب وأبناء عموسة وسعد العشيرة وسعد العنسية "يام"، كما تطرق إلى نسب الصحـابي الجليل عمار بن ياسر العنسي ونسبه لقبيلة يام.
وشهدت المحاضرة التي أدارها الدكتور عبدالمحسن القحطاني وتغيب عنها الدكتور عبدالله الزهراني لظروف الطيران، العديد من المداخلات النقدية تباينت موضوعاتها بين الشعر والتاريخ.