رغم كل المصاعب الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الشعب الإيراني، وبالرغم من ارتفاع أسعار المواد الغذائية لدرجة أن كثيرا من العائلات لا يستطيع أن يشتري الدجاج هذه الأيام، هناك أيضا بعض اللحظات الممتعة التي يمكن أن تجلب الابتسامة والفخر إلى الشعب الإيراني.
ليلى حاتمي ممثلة إيرانية حصلت على ميدالية الفنون من السفارة الفرنسية في طهران. الجائزة تمنح للفنانين على "إبداعهم في مجالات الفن أو الأدب، أو مساهمتهم في تقدم الفنون أو الآداب في فرنسا أو العالم".
منذ فترة ليست بعيدة، في فبراير خلال احتفالات جوائز "أكاديمي" في أميركا ومن ثم في مهرجان كان السينمائي في فرنسا، شعر الإيرانيون بالسعادة وهم يرون ليلى تمشي على السجادة الحمراء. الفيلم الذي لعبت البطولة فيه، وعنوانه "انفصال"، منح جائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان جوائز "أكاديمي" في أميركا وحصل أيضا على العديد من الجوائز العالمية الأخرى. موهبتها التمثيلية اللافتة وأناقتها وثقافتها أدهشت الكثير من الإيرانيين.
ليلى حاتمي استطاعت أن تقدم توازنا رائعا بين لباسها الإسلامي المحتشم ومتطلبات الظهور أمام جمهور عالمي، خاصة أنها موجودة بين مئات من أكثر النساء أناقة في العالم ومع ذلك بدت فائقة الأناقة وهي ترتدي غطاء رأسها ولباسها المحتشم لتثبت أن هذا الزي الإسلامي لا يتعارض مع متطلبات الأناقة.
بالطبع لم تكن ليلى حاتمي أول امرأة إيرانية تحضر حفل الأوسكار، لكنها كانت أول امرأة تمثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. جائزتها الثقافية الجديدة ـ ميدالية الفنون ـ من فرنسا، منحت سابقا لإيرانيين آخرين أيضا، لكن ما يعطي هذه الجائزة أهميتها هو توقيتها. عندما يكون الإحباط مرتفعا في المجتمع وهناك احتمال وقوع مواجهة عسكرية بسبب برنامج إيران النووي في الوقت الذي تضع العقوبات الدولية الشعب الإيراني تحت ضغوط هائلة، يمكن للمناسبات الفنية والثقافية أن تغير الجو وترسم الابتسامة على وجوه الناس ولو لفترة بسيطة.
من ناحية أخرى، متحف إيران المعاصر يضم أفضل مجموعة في العالم من الفن الغربي الحديث خارج أوروبا، وقررت الولايات المتحدة عرض كنز فني كان مدفونا في القبو منذ عقود. المجموعة النادرة التي تضم أعمالا لفنانين كبار مثل بولوك، وارول، وبيكون، كانت قد وضعت تحت إشراف زوجة شاه إيران فرح بهلوي وجلبوها إلى إيران. الآن يعرض المتحف هذه المجموعة المميزة. بعض الأعمال الفنية يتم عرضها للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية.
هناك مجموعات من اللوحات الفنية معروضة حاليا للمرة الأولى في طهران في المتحف. وبشكل يتناقض مع قيام متحف الفنون المعاصرة في طهران بعرض هذه الكنوز التي كانت مهملة، هناك صدامات يومية بين وزارة السلطات الإيرانية وبعض أفراد الشعب بسبب قيام البعض بتحطيم مواقع أثرية تعتبرها اليونيسكو كنوزا عالمية. المواقع التاريخية في بيرسيبوليس وضريح سيريوس وساحة نقش جاهان في أصفهان تشكل محور جدال بسبب محاولات المتشددين تدمير هذه المواقع. النظام الإيراني لا يهتم بالمواقع التاريخية التي تعود لحقبة ما قبل الإسلام. قلعة سانساني الجميلة في كرمان مهددة الآن. هناك نصب تذكاري للجندي المجهول من الذين سقطوا في الحرب العراقية/الإيرانية قيد الإنشاء على بعد 70 مترا من هذا الموقع التاريخي. رغم كل المقاومة التي واجهها هذا الأمر من أجهزة الإعلام وقسم الآثار، بدأ بناء النصب على مساحة واسعة.
بعد الثورة، ماتت صناعة السياحة في إيران. كل ما يعرفه العالم عن إيران الآن هو هذه الوجوه الغاضبة العابسة التي تهتف على شاشات التلفزيون طوال الوقت: "الموت لهذا والموت لذاك". كل ما هنالك هو الحزن والبكاء ولطم الصدر والتلويح بقبضة اليد أمام المشاهدين. من يمكن أن يرغب في زيارة إيران في هذه الظروف؟
حدائق الورود في أصفهان وحافظية في شيراز يبدو أنها أصبحت جزءا من التاريخ، وربما يحل محلها ضريح أو مقبرة أو نصب للجندي المجهول. كثر الجدل حول هذه الأمور وفي أجهزة الإعلام لدرجة أن الناس بدؤوا يفقدون احترامهم لذكرى الأشخاص الذين فقدوا حياتهم دفاعا عن البلد لأن النظام يستخدمهم كوسيلة للدعاية، مما أعطاهم صورة سلبية ورفضا من قبل عامة الناس.
هذه هي إيران التي أحبوا أن يقدموها للعالم وأن يمحوا الصورة القديمة الجميلة لإيران في عهد الشاه. وعندما مشت الممثلة ليلى حاتمي بملابسها الأنيقة على البساط الأحمر في مهرجان كان، أصبح المهرجان بالنسبة للإيرانيين أكثر من مجرد حدث عالمي. إنها تمثل الشعب الإيراني الحقيقي. تمثل الإيرانيين البسطاء المسالمين واللطيفين والمحبين للثقافة. ليلى حاتمي تبعث البهجة والفرح في قلوب جميع الإيرانيين وتجعل عيونهم تضيء بالبهجة. ظهور ليلى الذي لم يستمر أكثر من ثلاث دقائق حمل جميع الرسائل التي أراد التلفزيون الإيراني الرسمي أن يمسحها من ذاكرة الشعب.
لقد حصلت ليلى على ميدالية الفنون والثقافة من فرنسا، وفازت بملايين القلوب. الفن والثقافة والتاريخ لا يمكن تحطيمها أبدا.