يهوى عبودي أبو جودة منذ الصغر جمع ملصقات الأفلام السينمائية، وبمرور الوقت احترف هذه الهواية، وغاص فيها، وجمع المعلومات حولها، فبذل لأجلها الوقت والمال والبحث والملاحقة، حتى أصبح في حوزته أكثر من عشرين ألف ملصق سينمائي، باتت تشكل عالمه الخاص الذي يحلو له الحديث عنه.

ليس الملصق السينمائي وليد اليوم، بل يعود إلى الربع الثاني من القرن الماضي، وهو بطبيعة الحال ابن زمانه ومكانه، أي أنه يعبّر من جهة عن الفن الذي كان قائماً حين صدر الفيلم، ومن جهة أخرى عن البلد الذي أخرج وأنتج فيه هذا الفيلم، حيث كان يتعين على رسام الملصق أن يعبّر عما يدور في الفيلم برسمة تجذب الجمهور.

بدأ صاحب دار نشر "الفرات للتوزيع والنشر" عبودي أبوجودة هوايته في الخامسة عشرة من عمره، حيث كان يمر بدور السينما طالباً ملصقات الأفلام الغربية والعربية التي تم الانتهاء من عرضها، وتدريجياً، بدأت الملصقات تتراكم لديه، إلى أن حلت الأحداث في لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي، فأغلقت أبواب عدد من دور السينما، وتبدلت خارطتها الجغرافية في بيروت، وبالتالي تراجعت حركة العروض السينمائية فيها.

وبعد أن دخل عبودي أبو جودة مجال طباعة الكتب ونشرها، عاوده الحنين للبحث عن ملصقات الأفلام السينمائية، وهنا تغيّرت نظرته إلى الملصق السينمائي، يقول "شدتني بقوة التقنيات القديمة التي كان الملصق ينفذ بواسطتها، وطرق طباعته، والتحول الذي أصابه، وكيفية انعكاسه على الملصق، فالطباعة حينها كانت "الطباعة الحجرية" أو "الليتوغراف" (Lithography)، وهذا النوع من الطباعة جعل الملصقات مميزة بألوانها الصارخة والمشبعة والجميلة. وهي تعتبر اليوم الأكثر قيمة بالنسبة إلى جامعي الملصق السينمائي". ويفيد أبو جودة أن "الأفلام المصرية في مرحلة الخمسينات والستينات كانت تعج بكبار النجوم أمثال محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وصباح، ورشدي أباظة، وفاتن حمامة، وسعاد حسني، ونادية لطفي، وغيرهم".

وعن كيفية متابعته لتطور ملصقات الأفلام أضاف "بعد الثمانينات وأثناء أسفاري إلى القاهرة ودمشق، كنت أقصد دور السينما، وأطلب منها ملصقات الأفلام التي تم عرضها، أو هي طور العرض، فأصبحت مجموعتي تنمو وتكبر، وبعد الثمانينات ومع بروز آلات طباعة "الأوفست"، أصبحت الطباعة أسهل، وصارت ملصقات الأفلام ترتكز على الصور الفوتوجرافية، فيما تم التخلي عن الملصق المرسوم رسماً، أو بالأحرى ألغي وانقرض". وأوضح أبوجودة أن الملصق السينمائي فن شعبي انقرض للأسف، خصوصاً أن معظم فنانيه رحلوا عن هذه الدنيا. من هنا يمكن لهذه الأرشفة أن تفضي إلى إصدار كتب، أو تكوين مواقع إلكترونية خاصة بالفن السابع القديم، فضلاً عن تعرّف الناس على هؤلاء الفنانين الذين رسموا تلك الملصقات التي بالإضافة إلى الجمالية الفنية التي تتضمنها، تحوي معلومات مثل اسم المخرج، وأسماء الأبطال، وشركة الإنتاج، ومؤلف الموسيقى، وبالتالي يمكن التعرّف على تطور هذا الفن، وأيضاً على تطور المجتمع، لأن الفن يعكس صورة المجتمع. ويحاول أبو جودة حاليا أرشفة هذه الملصقات، ووضعها في إطارها التاريخي والزمني الصحيح كي يستطيع المهتم بها معرفة تسلسل هذا الفن منذ بدايته وحتى أوائل الثمانينات، وحتى يستفيد الباحثون والنقاد السينمائيون منها.

وعن الطريقة التي يتبعها في أرشفة هذا الكم من الملصقات قال أبو جودة إنه يؤرشف مجموعته بطريقة علمية بحسب التواريخ، والفنانين، وتقنية الطباعة، وبالتالي إحصاء الملصقات وتسجيلها في جداول، وبشكل معمّق أكثر، يحاول اكتشاف الأشخاص الذين رسموا هذه الملصقات. "هؤلاء، كما يقول، كانوا فنانين شعبيين، والبعض كان من كبار الفنانين أمثال حلمي التوني الذي صمم ملصق فيلم "الأرض" ليوسف شاهين، ومحمود الشريف"، مشيرا إلى أن 90 % من الملصقات التي يملكها صدرت في مصر. حتى الأفلام اللبنانية في ستينات القرن الماضي أنجزت في مصر.

ويعتبر عبودي أن المرحلة الأخصب بالنسبة إلى صناعة الملصق السينمائي العربي هي تلك التي امتدت بين الخمسينات وأواخر السبعينات، وهي التي تشكّل النسبة الكبرى من أرشيفه الذي تزيد محتوياته على العشرين ألف ملصق لنحو خمسة آلاف فيلم عربي معظمها مصرية، وفي أرشيفه أيضاً نحو 300 ملصق من السينما اللبنانية، و150 من السورية، و13 من العراقية، ونحو 30 ملصقاً من السينما المغاربية.

وعن تصنيف الملصقات قال" الملصق الأول الذي أقتنيته، كان لفيلم "بياع الخواتم" (1965) لفيروز، والملصق الأقدم في المجموعة يعود إلى عام 1933 ، وتحديداً إلى فيلم "الوردة البيضاء"، أول فيلم قام بتمثيله الموسيقار محمد عبد الوهاب وأخرجه محمد كريم. ولدي حوالي 55 ملصقا من أصل 78 فيلما من أفلام الفنانة صباح، وستة ملصقات من أصل سبعة أفلام للفنان محمد عبد الوهاب، وكافة ملصقات أفلام الفنان عبد الحليم حافظ ". وأكد أبوجودة أنه "لم يتوفر جهد حقيقي أو دراسة سليمة لهذا الإرث الفني، وذلك مرتبط في منطقتنا بغياب الاهتمام عموماً بأرشفة تاريخ السينما، لذلك فهو مهتم بتحويل هذا الأرشيف إلى مادة يستفيد منها الباحثون والطلاب ودارسو فن السينما.