على رأس الشارع، وفي مدخل حارتنا، استضافت هذه المدينة أكبر رموز العولمة وتجسيد مبادىء الرأسمالية. وللمرة الأولى يرتفع في مدينتي شعار (ماكدونالدز) وحرف (m) الشهير، وهو الشعار الذي لا يكون مرفوعا عاليا بنفس الأطعمة ونفس ملابس الموظفين في كل أنحاء العالم. هو ذات الحرف الشهير لذات الماركة الأشهر التي ابتدأت من شارع أميركي في العام 1955 وتحولت إلى ما يزيد اليوم عن 30 ألف فرع في مائة وواحد وعشرين دولة لأكثر من 465 ألف موظف بعائدات بلغت نهاية العام الماضي 31 مليار دولار. والقصة تكمن اليوم في نصف مليون وظيفة حول العالم ابتدأت من فكرة صغيرة.
قاومت هذه المدينة جل إشارات العولمة، والآن يهزم عشرات من شبابها هذه المقاومة وأنا أشاهدهم في الطابور الطويل جدا إلى رمز العولمة في الساعة الأولى للافتتاح قبيل سحور البارحة.
هزيمة العولمة على الدوام لها سلاحان، الأول: ألا ترفضها من موقف ضعف، لأن العولمة سيل جارف لا تستطيع أن تقاومه على الدوام بالتحريض أو سرد الكلمات. الثاني: ألا تكون مع أدواتها مجرد زبون مستهلك لا شراكة لك فيها حينما تأتي إليك.
حرف (m) الشهير عندما ينتصب في مدخل الحارة سيغير حتما من الطبع الاجتماعي المألوف، وستكتشف أنه أصبح شريكا لك في المطبخ المنزلي حين يهرب أطفالك منك إليه مثلما سيصبح في جيبك شريكا ماليا حين تكتشف أنه يستهلك منك ميزانية شهرية محسومة.
حرف (m) الشهير يلغي نظرية الجزر المتباعدة، وفي العالم من حولنا، وطبقا لثقافات الشعوب المختلفة، يفاخر رمز العولمة الشهير أنه كان الموعد الأول لمليون حالة عشق تحولت إلى زواج حول العالم. حجم موظفيه يفوق حجم موظفي ثلاثين دولة فقيرة مجتمعة، وحجم رواتب موظفيه أيضا يفوق حجم مرتبات موظفي خمسين دولة من السلم الأدنى في الاقتصاد العالمي.
هكذا هي العولمة: أفكار تبدأ من دكان صغير ثم لا تلبث أن تتحول إلى دول مجتمعة تحت اسم الاقتصاد والاستهلاك وبرسم الخدمة. تأملوا السلاحين في أيدينا ونحن نقاوم هذه العولمة. لا نملك منهما مفتاحا صغيرا لهذه المقاومة، ومع هذا لا زلنا نتغنى بالخصوصية. نلعن العولمة ونشتم رموزها وفي اليد رقائق البطاطس وفطيرة البرجر، وفي الجيب فاتورة رمز العولمة.