في أيام عظيمة لشهر عظيم، يجتمع قادة العالم الإسلامي بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رجل المواقف الداعمة والمساندة للمسلمين في جميع أنحاء العالم.
ومع تنوع المذاهب واختلاف نوعية أنظمة الحكم، ومع تباين مراكز القوى الاقتصادية والسياسية واختلاف مستويات المعيشة بين الشعوب الإسلامية يقفون جميعا أمام بيت الله محملين بأمانة في أعناقهم؛ وهي أمانة حقوق شعوبهم بالعدل والمساواة وبالحفاظ على أمنهم وأرواحهم وتوفير أساسيات الحقوق من علم ومعرفة وصحة وعمل وضمان حقوق الإنسان التي نصت عليها شريعتنا الإسلامية ومنها: حق الإنسان في العيش بكرامة غير منتهكة، حقوقه الشخصية والدينية والمذهبية، حقوق الإنسان في إبداء الرأي وفي أن يقول كلمة الحق التي قد تكون صعبة على القائمين على أمره.
يجتمع القادة بعد أيام ليناقشوا أهم القضايا السياسية التي تعيشها الدول الإسلامية، وتغيب عن أجندة الاجتماع أهم القضايا التي تعاني منها شعوب الدول الإسلامية وهي قضية الفقر، القضية التي تهدد أمن واستقرار الشعوب، الفقر الذي أطاح ببعض القيادات الجائرة على شعوبها والتي اهتمت بحماية أمنها وهي على كراسي الحكم ووجهت معظم إيرادات دولها لتسليح جيوشها، وأغفلت نسب الفقر المرتفعة وتضخم نسب البطالة مما أدى إلى تفشي ظواهر منافية لتعاليم ديننا الإسلامي فانتشرت تجارة المخدرات، حتى صنفت بعض الدول الإسلامية ضمن أكبر الدول المنتجة والمصدرة للمخدرات، وانتشرت تجارة الرقيق والنساء والأطفال وارتفعت نسبة الأمراض المعدية والأوبئة وانخفضت نسب التعليم وارتفعت نسب الأمية، وتقدمت أربع دول إسلامية قائمة أكثر الدول فقرا في العالم، وارتفعت نسبة الفساد المالي والإداري، وارتفعت نسب الهجرة خارج الأوطان بحثا عن الرزق لضمان الحد الأدنى للعيش.
هذا هو حال بعض دول العالم الإسلامي، ومن المؤكد أن معظم القادة في العالم الإسلامي يعلمون عن الأوضاع في بلادهم، إلا أنهم في الحقيقة عاجزون عن إصلاح ما أفسدته السنون.
وتتجه أنظار الشعوب في الدول الإسلامية إلى اجتماع قادتهم في المؤتمر المقرر عقده يوم 26 رمضان في مكة المكرمة بجوار الكعبة المشرفة، داعين ربهم أن تكون قضية الفقر ضمن التوصيات لتساعدهم على الخروج من أزماتهم الاقتصادية المستعصية.
فهل يا ترى هناك خطة قصيرة أو متوسطة أو طويلة المدى لمعالجة الفقر في العالم الإسلامي، قبل أن نشارك في خطط الأمم المتحدة لمعالجة الفقر في العالم والتي تعطي الأولوية ـ أحيانا ـ للفقراء في دول غير إسلامية. أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ ألم يحن الوقت لأن يقرر القادة في الدول الإسلامية إنشاء صندوق إسلامي لمساعدة الفقراء أو إنشاء بنك إسلامي لمساعدة الفقراء على أن يكونوا منتجين؟
إن تجربة بنوك الفقراء التي تبناها الأمير طلال بن عبدالعزيز تجربة ناجحة ونموذج في الإمكان تطويره ليكون مناسبا لكل دولة ومجتمع في العالم الإسلامي.
إن أزمة الاقتصاد في بعض الدول الإسلامية هي أزمة تكامل اقتصادي بين الدول الإسلامية، وفي غياب التكامل الاقتصادي تتجه الدول الإسلامية إلى المشاركة في تحالفات إقليمية أو قارية أو تحالفات للناطقين بلغة معينة، وتبتعد هذه الدول عن تحالفها الأساسي والمهم وهو التحالف الإسلامي، على الرغم من وجود المقومات الأساسية لنجاح التكتلات الاقتصادية الإسلامية سواء في المجال الزراعي أو الصناعي أو التجاري أو الخدمي.
إن الجهود التي تبذلها بعض المنظمات الإسلامية والعربية هي جهود كبيرة وتاريخية، وعلى وجه الخصوص جهود منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي)، والمراكز والمؤسسات والبنوك التابعة لها وعلى وجه التحديد البنك الإسلامي صاحب أكبر المبادرات الداعمة والمساندة لاقتصاديات الدول الإسلامية، إلا أن سقف التوقعات والتطلعات من الشعوب الإسلامية أكبر.
إن التوصية بإنشاء بنك فقراء المسلمين سيكون لها أثر إيجابي على نفوس الشعوب الفقيرة في العالم الإسلامي، وهو بنك ليس لتقديم التبرعات والهبات وإنما يعمل على تحويل العاطلين عن العمل في فئة الفقراء إلى منتجين يعملون لحسابهم الخاص بتمويل بسيط وبمساعدة فنية ومهنية من بنك الفقراء، وهي فكرة ناجحة في العديد من الدول ومنها تجربة الهند الشهيرة وتجربة الصندوق الاجتماعي في مصر. كما أن التوصية بتقديم قروض طويلة المدى من الدول الإسلامية الغنية إلى دول الربيع العربي التي تعاني اقتصادياتها من أزمات مالية كارثية وتعاني من شروط قاسية من المقرضين الدوليين، حتى بدأ ينفد احتياطها من النقد الأجنبي والاحتياط المالي، إلى أن عجزت عن سداد ديونها وفوائد ديونها أو الوفاء بحقوق الموظفين العاملين في أجهزتها الرسمية. إن الأماني معقودة على نتائج القمة الإسلامية التي أتمنى ألا يستحوذ الجانب السياسي على النصيب الأكبر من جدول الاجتماع ونتائجه.