لو نظرنا بدقة وعناية وبعيدا عن العاطفة إلى أبرز المشاكل التي نواجهها في العديد من القضايا والأمور محل شكوى المواطنين وتذمرهم، ومن ذلك الأزمات التي تعصف بنا بين فترة وأخرى لاتضح لنا أن العنصر البشري عامل مشترك وحاضر بقوة في تلك المشاكل.

والسبب أننا نصرف ونبذل مليارات الريالات من أجل تطوير وتنمية وصيانة المكان أيا كان هذا المكان مطارا أو محطة قطار أو مبنى مدرسة أوجامعة أو وزارة أوهيئة أو مستشفى لكننا في الغالب لا نهتم بمن هم داخل هذه المشاريع العملاقة والمباني الهامة لا من حيث تأهيلهم وتطوير إمكاناتهم وزيادة خبراتهم وقدراتهم وربطهم بكل حديث ومفيد، ولا من حيث مراقبتهم ومعاقبة المقصرين منهم بل والاستغناء عن غير المتمكنين منهم واستبدالهم بمن هم أكفأ ومن هم قادرون على الالتزام بما هو منوط بهم من أعمال بالكيفية المفترضة والجودة العالية.

العنصر البشري لدينا مهمل بشكل كبير وواضح ولهذا في معظم القطاعات التي ذكرتها آنفا نلحظ أن آليات العمل مكرورة منذ عقود، ومنهج التعامل مع المراجعين ومع ما له علاقة بمصالح الناس هو كما عهدناه دون تطوير، وشكوى الناس من البيروقراطية قبل عشرين وثلاثين سنة هي هي لم تتغير لأن العنصر البشري لم يتغير في فكره ولا في منهج عمله، والجديد من الموظفين يرث من القديم أنماط عمل وسلوكيات الكثير منها تجاوزها الزمن بما شهده من نقلة نوعية في الفكر والأدوات، وما استجد من تقنيات سهلت من المهام والعمليات.

تعجب أنه إلى الآن عندما تسعى لإنهاء معاملة في إدارة حكومية أنك تضطر للمرور على خمس أو ست مكاتب لمسألة كان بالإمكان إنهاؤها في أول مكتب دخلته، ثم تعجب من كثرة طلبات الأوراق الثبوتية التي من المفترض، وكما هو معمول به في معظم الدول المتقدمة، أن تكون موجودة ومتوفرة بكل التفاصيل، وبكل ما يستجد عليها في نظام الحاسب الآلي الخاص بالحكومة.

هذا مثال واحد يؤرقك كلما زرت مثل تلك الإدارات وكلما حاصروك بالطلبات المكررة على وزن صورة من بطاقة الأحوال وصورة من دفتر العائلة و(برنت) من التأمينات وصورة مما يثبت التزامك بالسعودة وسداد الزكاة وصورة من السجل التجاري وخطاب على أنك على رأس العمل، وخطاب بمقدار راتبك وصورة من عقد الإيجار، وصورة من آخر فاتورة هاتف أو كهرباء وإثبات من وو..

وأنا على يقين أن كل مواطن له قصة فيها من العجب والطرافة أحيانا ما يمكن كتابتها والاستشهاد بها كأنموذج للبيروقراطية والقصور الشديد الذي نعانيه في هذا الجانب.

وكما أسلفت فإن العنصر البشري حينما ننفق عليه من خلال الدورات والتدريب والابتعاث يمكن له أن يختصر علينا الزمن، ويقدم لنا خدمة أفضل، ويبادر بتغيير أنماط عمل بالية بل ومضحكة وبعضها فيه إهدار للوقت وإسراف للمال.

أختم متسائلا: متى يمكن لنا أن نراجع إدارة أو هيئة أو وزارة بدون كتلة من الأوراق المطلوبة والنماذج المكررة وبدون أن نزور كل أقسام ومكاتب تلك الوزارات والهيئات والإدارات بما فيها دورات المياه والمصليات لطول وقت الانتظار وطول وقت إنجاز المعاملات؟