كان صوته عناقيد ارتواء دانية على عطش الروح، ويباس القلب. وما زال صوته العاشق يغرّد في مسامع كل من أدركهم سحره، وجلال نبرته، وصدق أحاسيسه التي لم تكن تتسلل إلينا عبر الأثير، بل تجتاحنا اجتياحا. هو كائن عطري. لكن أصوله تعود إلى نخيل السكّري في قلب هذه البلاد الطيبة، إلا أنه في ذات الوقت، تشرّب النهر منذ نعومة عمره المفعم بالإبداع والجمال.
عاش مدرسة إعلامية تلفزيونية. ومدرسة ثقافية تتوزع على قنوات الإعلام البدائي. لطلعته طمأنينة تزهر في العيون، طمأنينة وفتنة، وفي لغته يتجسد الشكل الناصع للعربية.
كان صوته هو القصيدة. وحين يلقيها، كان يسرق، نعم يسرق بإلقائه ألق الشعر نفسه.
غير أن الأهم من ذلك كله، هو الوطن، الوطن الحبيب الذي كان ساطعا في جبينه، وصارخا في حسّه المرهف وملامحه العريقة، بل حتى في شكل شماغه الأحمر.
لم يكن يستطيع أن يبعث ذرة من الملل في نفوس مستمعيه ومشاهديه. رغم ظهوره الذي لا يكاد ينقطع على مدار العام. هو أرق من الأخبار "الطارئة".
وليست ابتسامته الشحيحة للنسيان. فقد كان لها طعمها حقا! بعكس أغلب مذيعي هذه الأيام، فما أكثر ابتساماتهم الصفراء، وضحكاتهم العالية السمجة، فوق ثقالة الطينة التي لا توصف!
لقد ترك تجربة فريدة من نوعها، وثرية في مادتها، تجعل الأجيال التي عرفته، والتي ستعرفه، مدينة له بالكثير من الشكر والمحبة والامتنان، وقبل كل شيء، العرفان، وما أصعب العرفان.
لقد لاح وجه ماجد الشبل وهو في أوج صراعه مع المرض هذه الأيام، حين اتجه وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة، وهو يكرم رموز الإذاعة على المنصة، إلى المذيع والإعلامي الرمز حسين النجار، لتكريمه من على كرسيه، في حفل الإذاعة الأخير بنادي جدة الأدبي. تذكرت الشبل، والفرصة الكبيرة لفعل شيء من العرفان لهذا الرجل الذي لن يتكرر أبدا.
إننا بحاجة إلى معهد أو كلية متخصصة في الإعلام، تكون باسمه، وبحاجة إلى من يكتب سيرته، وإلى من ينتج فيلما وثائقيا لحياته التي قضاها يحاول إرضاءنا وقد فعل.