"من قال إن المرأة الشرقية نؤوم الضحى ؟ تجري وراء خطوط الموضة بعشوائية؟ وتحب أدوات الزينة والأصباغ أكثر من إعداد وطهي الطعام؟ من ذكر أن المرأة الشرقية إذا كانت على درجة من الجمال يصيبها الغرور والنرجسية؟ بل إن كثيرا كتبوا فيها ووصفوها بالاتكالية، فلم يروا من جانبها الدافئ سوى قلائد الذهب ووسائد صنعت من ريش النعام وكسيت بالحرير!"

بتلك العبارات الساخنة بدأ لقاء (الوطن) بمن لقبت نفسها بـ (صابرة) فخجلها العذري منعها من التصريح باسمها، وهي تحلب الشياه بجوار منزلها المتواضع المصنوع من الصفيح. لقاء (الوطن) معها كان بمثابة البرهان الذي يقدم للعالم أجمع ويقول على لسان صابرة: بأن المرأة الشرقية تطبخ الطعام، وتحلب الشياه، وإلى جانب ذلك كله تطبخ التحدي على نار هادئة، لتساعد والدتها السبعينية في تربية إخوتها الذكور الخمسة لينالوا أعلى الشهادات، فهي ترى فيهم سرب النسور الذي سيحملها ويعينها على مواجهة المستقبل.

تقول صابرة وهي فتاة تجاوزت الثلاثين وحاصلة على الشهادة الثانوية وكان للتعب صوت عال في حكايتها: أخرج كل صباح بعيد صلاة الفجر إلى حظيرة الأغنام فأقوم بحلب ما تيسر منها، وأعد الحليب الساخن إلى جانب خبز التنور الذي تعده والدتي فنقدمه لإخوتي قبيل ذهابهم إلى المدارس والجامعات فيكون سلاحهم لمواجهة البرد القارس في الشمال، فالطعام الصحي يساعد في تقوية أجسادهم وذاكرتهم.

وعن طريقة تعاملها مع الحيوانات خاصة فيما يتعلق بعملية الحلب وإرضاع الصغار ابتسمت وهي تقول: في هذه الحياة كل شيء يحتاج إلى التدريب فمنذ أن كنت في المرحلة المتوسطة وأنا أرافق والدتي إلى الحظيرة وأشاهدها وتترك لي قليلا من الحليب في ضرع الشاة لتدريبي على الحلب، وها أنا أمامك أتقن ذلك ولا يستغرق الأمر معي طويلا.

وعن سر تضحيتها في إتمام الدراسة الجامعية تقول بأن سر التضحية هو في الترابط الأسري والعاطفة التي تربطها بأمها وإخوتها منذ أن كانوا صغارا، وتابعت وقد بدا عليها الحزن: بالإضافة إلى الوصية التي تركها لي والدي وهو على فراش الموت في أن أساعد والدتي في تربية أشقائي إلى أن يكملوا تعليمهم الجامعي.

وعن الحالة الاقتصادية تقول: بفضل من الله ترك لنا والدي عددا لايستهان به من الماشية والتي توليت رعايتها بعد وفاته بمساعدة والدتي ولم أخجل يوما من تربية الماشية والخروج بها بعد العصر لتسرح فيما تيسر من الأشجار اليابسة بالجوار.

وعما يشغل كل فتيات العصر في مثل سنها من الجري وراء خطوط الموضة وأدوات التجميل واقتناء الأجهزة الذكية للتواصل قالت بصوت جهوري وواثق لو صرخت به لالتفت إليها جميع من تشغلهن تلك الأمور في العالم: أي موضة تتحدثين عنها؟. وأي أدوات تجميل تذكرينها؟. وبادرت بسؤال ردا على السؤال حيث قالت: هل تقصدين الألوان التي تجعل الفتاة تخفي جمالها الرباني وتظهر وكأنها "المهرج"؟ أم تقصدين عمليات التشويه التي نشاهدها في التلفاز باعتبارها عمليات تجميل؟ وتابعت حديثها قائلة: أبداً لم أهتم لتلك الأمور ولم أكترث بالعبث بتلك الأجهزة الذكية، فأنا أعيش حياة آمنة أبدأ نهاري منذ الفجر في العمل الجاد وأرعى ماشيتي بطريقتي الخاصة فاتتبع حركة السحاب نهاراً والنجوم ليلا، وأقتفي أثر السيول لأجمع ماتيسر من الأعشاب البرية لوالدتي، وينتهي يومي بعد تأدية صلاة العشاء. وقالت: مستقبل إخوتي هو ما يشغلني فلم أحلم يوما بكل ماذكرتِ مع العلم بأنني متعلمة، فحرصي على تنفيذ وصية والدي ومساعدة والدتي هو الأهم بالنسبة إلي مما جعلني لا أميل لتلك البهرجة الزائفة.

وعن قدرتها على حلب الشاة وطريقة التعامل معها قالت: هناك عدة أهازيج خاصة لعملية استخراج الحليب من ضرع الشاة، والأهم من ذلك كله هو أن تشعر الشاة أو الماعز براحة التعامل؛ حيث أقوم بالمسح على رقبتها وضرعها لتشعر بالأمان، فتبدأ عملية إدرار الحليب.

وعن قدرتها على تلبية متطلبات إخوتها بالإضافة إلى مستلزمات الحياة أجابت وهي مبتسمة: ذكرت لك سابقا بأنني حاصلة على الشهادة الثانوية، ولكن في الحياة العملية حاصلة على الدكتوراه مع مرتبة الشرف، وعن كيفية ذلك؟ أجابت قائلة وبكل عفوية: من (الحلال) تقصد تربية الماشية، وأضافت جميع من حولنا يحرصون على شراء مشتقات الألبان مني، ومنها الجبنة البلدي والسمن البلدي والقشدة واللبنة و(الخاثر) تقصد الزبادي، وعن المال الذي تحصل عليه وهل يساوي التعب؟. قالت: أحصل على مبالغ لا بأس بها تفي بمتطلباتنا وتقينا من سؤال الناس وهذا المهم.