منذ أن بدأت في متابعة الدورات الأولمبية قبل عقود، وأنا عاجز عن إنزال علامات الدهشة المرتسمة فوق جبيني بسبب حالة الضمور والتردي والانزواء للمشاركات الأولمبية العربية، إلا من بعض الحالات النادرة والاستثنائية لبعض حصدة الميداليات مثل المغربي سعيد عويطة والجزائرية حسيبه بولمرقه والمغربية نوال المتوكل وهشام الكروج والسعودي هادي صوعان وأخيراً برونزية الحواجز لمنتخب الفروسية السعودي.

إنه مجرد حصاد فقير لا يكاد في المجمل يتجاوز عدة ميداليات عبر أكثر من متسابق وخلال أكثر من دورة فيما استطاع سباح أمريكي واحد من تحقيق 22 ميدالية وحده.. إنه مجرد فرد يحقق كل هذا المجد لدولته مقابل إنجاز عربي كغثاء السيل!

ألا يثير لديكم الاستغراب؟

ألا يشيع في نفوسكم الحزن والحسرة على عجز تحققه كل القطاعات الشبابية العربية الأولمبية في كل مشاركاتها رغم السعي الحثيث للمشاركة ورغم الحماس والدافعية لتحقيق شيء ما، فهل يعقل هذا؟

وهل يصح أن يكون السباح الأمريكي فيلبس أمة في رجل؟

لكن حتى مع كون إنجاز فيلبس هو الأبرز والأكثر تميزا، إلا أن كثيرين غيره من أمريكا ومن كندا و من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وروسيا والصين يحصدون الميداليات الأولمبية بألوانها المختلفة ذهبية وفضية وبرونزية ويكررون الإنجاز ويحققون الإعجاز ويسلبون منا الانبهار والإعجاب فما الذي يحدث؟

لقد جرينا مثلهم فجئنا بضخام الأجسام لحمل الأثقال ورمي الجلة والقرص فلم نفلح!

ورأينا أن ذوي البشرة السمراء عندهم هم من يخطفون ميداليات الجري القصير والطويل والمتتابع واقتفينا أثرهم ورأينا لاعبنا عبر لكنه ما جاب خبر!

ثم لفت نظرنا أن ذوي السلالة الصفراء من أهل الصين وما جاورها يحصدون الذهب ولا يلوون فشاركنا بمن أجفانهم مقطبة وحدقاتهم ضيقه وأنوفهم صغيره وشفاههم رفيعة لكن كل هذا لم يشفع لمثلائهم عندنا أن يكونوا ذهبيين وفضيين أو حتى برونزيين.

وبموالاة المتابعة خلال كل الدورات الأولمبية لمسنا في القوقازيين وبعض شرق أوروبا أنهم "يتجمبزون" على الحلقات والأحصنة الثابتة بأجسام عجينية لدنه يدخل أولها في آخرها وعاليها في سافلها حتى لتحسب أنها أجسام قد خلعت عظامها وأعمدتها الفقرية قبل نزولها ساحة التنافس، ومن حسن الطالع أن العرب فيما أتذكر لم يدخلوا ساحة الجمباز لعجزهم عن تطويع أجسادهم الخشبية.

كان الحضور العربي الأولمبي مجرد تشارك شرفي يبدأ وينتهي مع طابور عرض الفرق المشاركة في حفل الافتتاح.

مما مضى فإن من الواضح أن السباح الأمريكي فيلبس لم يكن ليتمكن من حصد ميدالية نحاسيه لو تربى في المشاتل أو المسابح العربية، بما يعني أن الأجناس البشرية تتمتع بنفس الصفات مهما اختلفت الألوان والعرقيات لكن الفارق والتميز يكمن في حجم الاهتمام وتحديد الأهداف ورسم الخطط المتدرجة لهؤلاء الأبطال الأولمبيين منذ الطفولة المبكرة، أي أن تحطيم الأرقام القياسية وإحراز الميداليات بمختلف مستوياتها إنما هي نتاج صناعة احترافية يتولاها خبراء مدربون وكشافون يتسقطون المواهب في الصفوف المدرسية الأولى ويتولون العناية بهذه المواهب ومراقبة برامجها وسلوكياتها الغذائية حتى إذا حان قطافها أطلقوا لها العنان في الدورات الرياضية لتجني ثمرة ونتاج هذه العناية.

ولهذا ستظل المشاركة العربية في الدورات الأولمبية محض تكملة عدد في طابور الافتتاح.