تتوهج بعض الجوائز الأدبية والفنية توهجا سريعا، وكأنها ضوء متمرد على زمنه، فتصبح الهدف والحدث والأمنية، وتسيطر أخبارها على مجالس المبدعين، ويصير انتظارها انتظارا لانتظارها الذي يليه، وهكذا.

جائزة عكاظ مثلا، لما يتجاوز عمرها ست سنوات، لكنها صارت الطموح الأعلى لكل مبدع عربي، دون غيرها من الجوائز التي تمر كأنها لم تمر، فلا سائل عن مآلها، ولا سعيد بنتاجها.

أجزم أن القيمة المادية الكبيرة، سبب رئيس في تقدم هذه الجائزة إلى الصفوف الأولى، فضلا عن ارتباطها بـ "عكاظ" بكل إيحاءاته، وبكل عروبته التي لا تعرف حدا.

لكلٍّ الحق في أن يقول مايشاء حول الجوائز الثقافية، وحول تسييس بعضها، وحول فقدان بعضها لقيمتها بسبب من غياب العدالة، وذهابها إلى غير مستحقيها، ولكل قادح أراد أن يجعلها تجديدا حديثا ومنظما لفكرة المانح الذي كان يملأ فم المادح ذهبا أن يجعل الجوائز كذلك، وهي حالة عربية قديمة؛ فقد تحول الفن القولي العربي، منذ استوت لغته، إلى حرفة إبداعية ينال بها صاحبها مراده المادي، وتلك حقيقة يؤيدها بروز المدح بوصفه غرضا مقدما يهدف الشعراء منه إلى نيل العطاء.

لا خلاف مادامت الجوائز عاملا مؤثرا في "النهوض"، لكونها تدفع إلى الاهتمام بالإبداع، والتأليف، والبحث، ثم تصبح مكافآتها فخرا، لأنها مرتبطة بالأنظمة المؤسساتية التي تمنح هذه الجوائز، وهي علاقة دافعة إلى التجويد في كل الأحوال، ذلك أنها تحفز على المنافسة بين الفنون الإبداعية على اختلافها، مما يقود إلى الأفق الجديد، ويرتفع بالفن إلى الدرجة العليا.

وفي الشعر خاصة؛ يمكن القول: إن الهدف المادي للقول، قد وجه الأساليب، والألفاظ والصياغات والمعاني، وهو ما أكد عليه النقاد القدماء، يقول أبو هلال العسكري: "ينبغي للشاعر أن يحترز في أشعاره ومفتتح أقواله مما يتطير منه ويستجفى من الكلام والمخاطبة والبكاء ووصف إقفار الديار وتشتت الاُلاف ونعي الشباب وذم الزمان لا سيما في القصائد التي تتضمن المدائح والتهاني"، وهو ما يمكن أن ينسحب على الجوائز الحديثة التي تجعل المبدعين حريصين على الدرجات العلى من الإبداع توقا إلى الفوز، مما يحقق الهدف، وهو "ترقية الإبداع".

ومهما يكن من أمر؛ فإن الزوايا المثالية التي يُنظر بها إلى الجوائز على أنها هبات ومنح، لاتشبع جوعنا الجمالي، بالقدر الذي تشبعنا "براغماتية" الجوائز، وليس للعقل الموضوعي إلا أن يسعد بها، ويكون معها أيّان كانت.