• أكثر شخصية شدتني في مسلسل "عمر"، الذي تعرضه قناة MBC أداءً وصوتاً ولغة، هي شخصية "عتبة بن ربيعة" (أحد سادة قريش، وأكثرهم خيراً وحكمة) الفنّان المغربي الكبير؛ "محمد حسن الجندي"، هذا الفنان المثقف الفصيح، والمتمرّس، الذي وصف الفنّ مرةً في أحد حواراته، بحذاقة المفكر العميق، بأنه؛ "مساحة كبيرة وشاسعة جدا للتدافع القيمي". والمدهش بشأن الفنان ذاته، أنه لا يمكنك اكتشاف من أي بلدٍ هو، حيث لا تستطيع لشدة فصاحته اقتناص اللكنة المحلية في صوته، والتي يقع في فخّها كثيرٌ من الفنانين، فتعرف بلدانهم حتى دون أن يلحنوا أبداً في اللغة. "محمد حسن الجندي"، نتذكره في المشرق العربي، عبر دوره في فيلم "الرسالة" الشهير، وكذلك في مسلسل "الخنساء"، دون أن نلتقط منه ولا عليه تنغيماً صوتياً واحداً خارجاً عن الفصاحة.
• وفي مسلسل عمر، لا أعرف من الذي اختار "محمد حسن الجندي" لدور عتبة بن ربيعة، لكنه اختيار دقيق، بل يكاد يكون الاختيار الأكثر التقاطاً، وغالباً هو اختيار المخرج "حاتم علي"، أما لماذا كان الاختيار ذكياً ودقيقاً لهذا الحد، فلحرفية الثيمة، أو لنقل القاسم المشترك ما بين مهارة الفنان، وما بين الشخصية المؤداة "عتبة بن ربيعة"، والتي هي في تقديري؛ صوت الشخصية، ولغة سادة العرب الحكيمة وفصاحتها، وهذه بالذات ما يتداخل فيها الفنان "محمد حسن الجندي" بــــ "عتبة بن ربيعة"، وهو ما لم يتحقق بذات المستوى في بقية الأدوار، بما في ذلك ممثل دور "عمر بن الخطاب" نفسه، والذي أقيم المسلسل عليه. (رأي مواز: تراجع العمل بعد حلقته الحادية عشرة).
• يحسب لهذا المسلسل ما يؤخذ عليه، وهو الإعلاء من تاريخية الهامش، الذي لا يُنتبه إليه، يدخل في هذا دور "عمر" نسبياً، حيث هو المركز والهامش في آنٍ واحد، وربما كانت هذه هي القيمة التي اشتغل عليها كاتب النص، المشغول بنجاته من أي تورط؛ "وليد سيف".. فلم يذهب إلى شيءٍ يثير أية حساسية حيّة، حيال شخصية عظيمة، لا تخلو عظمتها من الجدال التاريخي الحتمي والمتضاد حولها، فمن حيث كون عمر محورياً في اسم المسلسل وتركيبته الشاملة.. يُنحى نسبيّاً للهامش في أحداثه، لإظهار هذا الهامش المصاحب بوصفه كيمياءَ زمنيةً مترابطة لتلك اللحظة التاريخية كلها، التي صنعت المزيج النافذ لعمر بن الخطاب نفسه، الهامشي.. المحوري، في المسلسبل.