تضليل ذائقة المشاهد يقدم لنا باعتباره جزءا من الرفاهية الإعلامية ويتم تقبله كون الأمور يجب أن تجري على هذا النحو من الإغراق والتسطيح وتزداد هذه الرفاهية في شهر رمضان وعوضا عن أن تدفع للتساؤل فهي تدفع بالمشاهدين للاستسلام.

حين سُئل أحدهم ماذا تشاهد من برامج في رمضان قال بكل ثقة: أشاهد مسلسلات ملحق بنات، صبايا، حكايات بنات، بنات العلية. وماذا عن مسلسل عمر رد بروح الواثق من تدينه و ذائقته "حرموه". انتهى الحوار وعلى ما يمثله هذا الحوار القصير العميق المعنى إلا أنه لسان حال كثيرين ممن ضربتهم سلطة الإعلام الذي يقدم الوعي جاهزا مبرمجا ومُعَدا مسبقاً وسلطة المحظور والمرغوب والممنوع، السلطة التي لم تترك لهم حق القرار والاختيار والذي يمثل حقيقة الإرباك الفكري والانتقائي الذي طال ذائقة المشاهد، هذا المشاهد الذي هو مزيج من التناقض والازدواجية ليس يمثل إلا الإنسان الذي يتبع ما يسمعه وما يملى عليه وما يفرض عليه أن يشاهده. إن قالوا اتبع هذا.. اتبع دون أدنى سؤال.

أن تحذر من كل ما لا يوافق رؤى وفكر بعضهم هو تماما يشبه أن تنساق وراء برامج ومسلسلات تؤدي إلى ضمور مستمر للعقل والتفكير. هؤلاء يسلبون منا قرارنا أن نقول"لا" للذي لا يتناسب مع قيمنا وفكرنا وهؤلاء يسلبون منا أن نقول "نعم" نريد أن نرى إعلاما يحترم كوننا مجتمعا بلغ سن الرشد.

أن تنتفض ذائقة المشاهد، ووعي الوعاظ والمراقبين لهو أمر صحي وجدير بالتقدير ولكن الذي حدث هو أنه تم إرباك العقول ودفعها إلى الحيرة والانسياق إلى كل ما هو سطحي. ربما هم قلة أولئك المتطلبون الذين يريدون أن يفتحوا شاشاتهم ليروا شيئا يضيف إلى وعيهم وإلى وقتهم الذي يمضونه محدقين في شاشات ضوئية تسطح فكرهم. شعارهم "أضحك حتى لو كان الوضع يستدعي البكاء".

على مدار أربع وعشرين ساعة يقدم صناع الثقافة الإعلامية ما يحبونه من التسطيح والكم على حساب الكيف ثم يقولون بلا مبالاة إنهم يقدمون رفاهية إعلامية. بينما ما نشاهده أنهم حولوا الحياة إلى شريط إعلاني ترويجي مستمر للسلع الرديئة.

الحديث عن كل ما من شأنه أن يغير خريطة العقل وطريقة الإنسان هو أكثر الأشياء ضرورة. ليكن القرار لنا نحن الذين نمضي الوقت نشاهد هذا، ونستمع لهذا. هل سيظل الوعي هاربا ومغيبا أم أن الأمر سيستمر لمواكبه كل ما يشيع في عالمنا العربي من تغيرات راديكالية ولكن على نطاق آخر يمس ذائقتنا ووعينا وفي الوقت نفسه لا يؤذى مديري أجهزة الإعلام، وهنا على المشاهد الفطن أن يصحح مساره.