في زيارة عمل لجامعة الأميرة نورة وفي فترة الصيف، لم تستطع إحدى السيدات إخفاء إعجابها بالبنية التحتية داخل مباني الجامعة، والتي تمثل تحفة وعلامة معمارية مشرفة للمملكة ونقلة حضارية وتقدير لمكانة المرأة ودورها في المجتمع السعودي، وهو إنجاز مميز وبمقاييس عالمية يحسب للمملكة قيادة وشعباً.

وكما نتحدث بإعجاب وتقدير عن البنية التحتية للجامعة، وحتى تكتمل وتتعاظم الفائدة والمنفعة من مثل هذه المباني والمشاريع، ينبغي النظر في مدى تكامل وجاهزية وكفاءة الموارد البشرية من طالبات وأعضاء هيئة التدريس والموظفات، فالفيصل في التطوير والتنفيذ يتمثل دائما وأبداً في الاستخدام والتشغيل الأمثل للبنية التحتية، وهو ما يتمحور حول البشر وليس البنية التحتية.

حتى تعظم وتزيد الفائدة لأي مشروع ينبغي العمل وبشكل متواز على ثلاثة أركان: الإنسان والمادة والتنظيم، على أن الإنسان يمثل أكثر من (80%) من المجموع. سواءً في جامعة الأميرة نورة أو أي جامعة أخرى، ينبغي التركيز على الإنسان – الطالبة، وهذا ما فعلته الدول الحديثة والناجحة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، فقد وضعت الإنسان أولاً وقبل كل شيء.

لم تخف السيدة الزائرة قلقها من تركيز الطالبات وبحثهن عن التخصص الأسهل، والذي عادة يكون أحد التخصصات النظرية مثل الجغرافيا والأدب والتاريخ واللغة العربية والثقافة الإسلامية، بينما لا تجد هذا الحماس للتخصصات الأخرى مثل الطب والهندسة والإدارة، والتي لا يحتاجها البلد فقط ولكن هي الأفضل والأمثل والأكثر فائدة وعطاءً ومستقبلاً للطالبة نفسها.

ويبدو أن رغبة الطالبات وسعيهن لدراسة هذه التخصصات تتماشى مع رغبة آباء وأمهات الطالبات.. رغبة وطموح يتمركز حول الحصول على شهادة جامعية، أو بمعنى آخر، الحصول على أسهل وأسرع طريق للوظيفة، وهو حق مشروع، نعم، ولكن! بلدنا بحاجة ماسة لمتخصصات في الطب والصيدلة وطب الأسنان والمعامل الطبية المختلفة من أشعة ومختبرات دم وتحليل، وليس لمتخصصات في علوم نظرية بحتة، وهو ما أنتجته كليات البنات في عهود سابقة. لدى جامعة الأميرة نورة الفرصة والفرصة التاريخية لتغيير ذلك، فهل تفعل؟

هناك الكثير الذي يمكن أن تقوم به جامعة الأميرة نورة وكذلك الجامعات الأخرى ذات العلاقة بتدريس الطالبات. ومن أهم المبادرات التي يمكن أن تقوم بها الجامعة إعادة النظر في نوعية وأعداد التخصصات وبالتعاون والتنسيق مع وزارة التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية، وبحيث يتم إلغاء بعض التخصصات التي تشبع منها البلد، بينما في المقابل يتم التركيز على التخصصات العلمية والتي حتماً ستعود بالفائدة على البلد والمجتمع. ومما يعزز ويدعم هذه التوجه من الجامعة ما توفره البنية التحتية من معامل وقاعات، وقطعاً مستشفى، وكلها بمواصفات عالمية للجامعة، وكأنها تقول أنا جاهزة للتشغيل والاستخدام.

في المقابل، هناك الكثير مما ينبغي عمله وتغييره في المجتمع، ولعل زرع وغرس الطموح والرغبة لدى أهالي وأبناء المجتمع يأتي في مقدمة هذه التغييرات المطلوبة. وتغيير الثقافة لدى المجتمع ليس أمراً هيناً، بل إنه يحتاج إلى عمل متكامل بين تغيير عادات وسلوكيات التربية والتحفيز والتشجيع على المنافسة لدى الأهالي لأطفالهم، وبين الدور التحفيزي الذي يمكن أن تلعبه المدارس في مراحلها المختلفة ما بين الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، إضافة إلى الدور الأكثر فاعلية ألا وهو السياسات العامة للدولة. على أنه ينبغي أن تتكامل وتتفاعل هذه المتغيرات بشكل إيجابي لتحقيق وتعظيم الفائدة.

في داخل الأسرة، أقل ما يمكن عمله وتحقيقه هو اقتناع الآباء والأمهات بأن أولادهم، بنات وأبناء، يملكون كل القدرات المطلوبة لتحقيق النجاح والتفوق، قدرات وهبها الله لكل إنسان من ذكاء وذاكرة ومعرفة، لا يختلف فيها الطفل السعودي عن الطفل السنغافوري أو الكوري أو الألماني، ولكنهم يختلفون في مدى وفاعلية ونجاح النظام التربوي والتعليمي، سواءً داخل البيت أو داخل المدرسة.

من أهم الدروس المستفادة من تجارب الدول الناجحة في التطوير مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية ما قامت به هذه الدول من تعديل وتطوير السياسات العامة بحيث تتماشى مع التغييرات المطلوبة في المجتمع والبلد. فعلى سبيل المثال، قد يكون من المناسب إعادة النظر في نظام الخدمة المدنية بشكل عام وسلم الرواتب بشكل خاص بحيث يتم التفريق والتمييز بين التخصصات المختلفة سواءً للأولاد أو البنات.

الإنسان هو أساس التطوير وليس البنية التحتية، فالإنسان يمثل عنصر الإنتاج الأساس، وبناتنا وأبناؤنا قادرون على قيادة المستقبل متى ما تم الاستثمار والتوظيف الأمثل لهم، وجامعة الأميرة نورة يمكن أن تلعب دوراً مهماً وتاريخياً في هذا السياق، ولكن بإعادة وتقييم الوضع الراهن ووضع خطة إستراتيجية مستقبلية، وكذلك تطوير وتحسين بيئة العمل داخل الجامعة، سواءً في رفع مستوى إنتاجية الموظفات أو في تقديم خدمات بجودة وتفان عال، وعلى أسس ومعايير عالمية في خدمة العميل – الطالبة والوطن.