أستطيع الادعاء بأن القنوات الفضائية قد خسرت هذا العام في سباقها الحميم أحد أبرز الزبائن الذين كان من عادتهم "التبليط" و"السنترة" أمام الشاشة، متأبطاً الريموت كنترول ومتقلباً بين القنوات المتعددة ذات اليمين وذات الشمال، وللحق فإن هذه القنوات قد سعت إلى كسب ودي خلال شهر شعبان وذلك في محاولة لجذبي عبر الإعلانات والتقارير الصحفية التي كانت تبشرنا نحن المشاهدين بحزمة برامج ومسلسلات لا تعد ولا تحصى، وكنت كمشاهد موعود بالمتعة والتنوع منذ انطلاق مدفع الإفطار وحتى انطلاق مدفع السحور، وكان لمجاميع القنوات الفضائية العربية والمحلية والخليجية نصيب يزيد وينقص في عدد المشاهدين الذين جذبتهم حملة الإعلانات التي كانت كل قناة ترفع عقيرتها في حراج الدعاية بأن لديها الأفضل والأضحك والأدهش والأغرب.

ورغم كل هذا المد الدعائي وكل هذا الرجاء إلا أنني خذلتهم مع بداية انطلاق السباق حين تخلفت عن مواكبة ومشاهدة التلفزيون سواء في وقت الذروة أو الأوقات العادية أو الأوقات الميتة.

من عادتي إذا حضرت في الولائم الكبيرة والدسمة والمنوعة أن أحتار ثم تصيبني حالة من التخمة والشبع المسبق، وقد أختار شيئاً يسيراً وبسيطاً من هذه المائدة المزحومة.

وهكذا الحال مع التلفزيون في هذا العام، فقد أصبت بالتخمة والحيرة لمجرد أن تابعت حملة الترويج التي سبقت رمضان حتى إذا حانت ساعة الانطلاق وجدتني أغوص في حيرة لا تمكنني من الاختيار.

لكنني مع ذلك قد كسبت في هذا الشهر الجلوس على مائدة الإفطار مع والدي ووالدتي يحفظهم الله، وإخواني وأبنائهم، فكان مجرد جلوسنا وإفطارنا مصحوباً بنقاشاتنا وجدالاتنا مسلسلا يوميا ممتعا لي ولهم، خاصة بعد تواطئنا أنا وإخوتي أن نبقي على التلفزيون مغلقاً في فترة الذروة وهي التي تلي أذان المغرب وحتى أذان العشاء، وقد لاحظنا أن جلستنا غدت أكثر حميمية والتصاقاً ومتعة وأقل خناقاً بعد ما كان يحتدم الجدل في الرمضانات السابقة ما بين مؤيد ومعارض لمشهد أو مسلسل محدد، أو حول نجم بعينه، كذلك الحال في الخلاف حول من يتولى قيادة (الريموت كنترول) والذي يكون بيده ملكوت التنقل بين القنوات أو أن "يحرن" عند مسلسل قد لا تروق للجميع مشاهدته، نظرا إلى اختلاف الأذواق وتباين الميولات على نحو يسوغ إيجاد أكثر من شاشة في نفس المجلس إذا قُصد أن تلبى كل الرغبات، وهذا ما تم حسمه في هذا العام مع صيامنا القطعي عن مشاهدة فترة الذروة، ولأننا الطلقاء بعد صلاة التراويح فإن لكل شخص منا الحرية في مشاهدة ما يشاء أو الانصراف إلى المشاوير الخاصة.

إن تكثيف الجهد الإنتاجي للدراما التلفزيونية خلال رمضان يوجب على القنوات الفضائية المتنافسة أن تجدول هذا الزخم بشكل متوازن وعادل خلال العام كله، ليكون المنتج ـ والمشاهد على حد سواء ـ في سعة تمكنه من الانخراط في منظومة الإنتاج المتأني والمدروس عوضاً عن السرعة التي صارت تسلق فيها دراما رمضان لإدراك الشهر واقتطاع حصة معتبرة من كعكة الإعلانات التي تشكل أكبر الحوافز لهذا المد الإنتاجي المكثف كمياً في رمضان، بل إن كثيرا من المسلسلات والبرامج يتم استكمال تصويرها خلال رمضان بما يشي بالاستعجال والاستسهال في هذا الجانب على نحو يجعلني أتمنى على القنوات الفضائية أن توزع جهدها على شهور السنة بقدر محسوب وأن تجعلنا هدفها الأول والأهم، لكن طوال أيام السنة.