كثر الحديث مؤخرا عن الصراع داخل مؤسسة الحكم في إيران، خاصة بين تيارين يقود أحدهما المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، وهو تيار محافظ متشدد، مقابل تيار أقل تشددا، لكنه محافظ أيضا، يقوده الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقد نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في مارس الحالي تقريرا كتبه مهدي خلجي حول نفوذ خامنئي داخل النظام الإيراني قال فيه إن السياسيين الإيرانيين مشغولون بسياسات بلادهم التي أصابها الخلل بشكل متزايد. ويبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي يقوض الكثير من المؤسسات الحكومية، ومن بينها رئاسة الجمهورية، مما يجعله يتحمل المسؤولية بشكل مباشر.
الشورى الإيراني يستجوب نجاد
في عام 1981، أمر المرشد الأعلى آية الله خامنئي البرلمان بطرد أول رئيس للجمهورية الإسلامية. إلا أن مجلس الشورى لم يستخدم سلطته منذ ذلك الحين حتى لمساءلة الرئيس، ناهيك عن تهديد منصبه.
لكن السنوات الأخيرة اتسمت بخلافات حادة بين مجلس الشورى وأحمدي نجاد وازدادت حدة بمرور الوقت. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، تجاهل أحمدي نجاد الموعد القانوني الذي كان مقدسا في السابق لتقديم ميزانية الدولة، لذا أقر مجلس الشورى ميزانية مرحلية فقط تغطي شهرين، بينما ناقش كيفية تغيير الإنفاق على مدار السنة بالكامل. وهذا العام قدّم أحمدي نجاد الميزانية في وقت متأخر حتى عن العام الماضي، مما أثار حفيظة مجلس الشورى.
ويضيف تقرير معهد واشنطن أنه بعد طلبات عديدة من "مجلس الشورى"، وافق أحمدي نجاد في النهاية على حضور جلسة برلمانية يجيب خلالها على الأسئلة، رغم أنها لن تكون استجوابا رسميا بموجب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور. وقد تم تأجيل هذا الاجتماع عدة مرات في السابق، وربما يتم تأجيله مرة أخرى. ونظرا لأنه لن يتم نشر أية صحف أثناء عطلة رأس السنة الجديدة التي تستمر لمدة أسبوعين، لن تكون هناك فرصة كبيرة أمام وسائل الإعلام لإطلاع الجمهور على الاجتماع ونتائجه.
وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن يكون لأسئلة البرلمان أي تداعيات عملية، إلا أن مواجهة الرئيس بهذه الطريقة لها معنى رمزي قد يُضعفه. ويبدو أن ذلك يلائم جدول أعمال خامنئي. وفي الواقع أعرب المرشد الأعلى عن اهتمامه بتغيير الدستور لكي يستبدل الانتخابات الشعبية المباشرة للرئيس بانتخابات من قبل مجلس الشورى. من غير المرجح أن يحدث هذا التغيير في أي وقت قريب، لكنه يُظهر رغبة خامنئي في تقييد صلاحيات الرئيس.
انتخابات مجلس الشورى
أدار خامنئي الانتخابات الأخيرة بطريقة تجعل مجلس الشورى أكثر ولاء له. وإلى جانب عدد قليل من الإصلاحيين والمرشحين الموالين للرئيس الإيراني، كانت المنافسة الرئيسية بين أولئك الذين كانوا يعارضون أحمدي نجاد أثناء فترة ولايته الأولى (الجبهة المتحدة) وبين من أصبحوا معارضين للرئيس الإيراني أثناء فترة ولايته الثانية (جبهة الاستقرار). وقد تم إقصاء مرشحي أحمدي نجاد المفضلين عن طريق مجلس صيانة الدستور أو لم يتم انتخابهم (على سبيل المثال شقيقته بارفين).
لقد منحت الانتخابات خامنئي أسبابا إضافية للثقة ليس فقط لأنه تمكن من منع الإصلاحيين والفصائل الموالية لأحمدي نجاد من الحصول على عدد كبير من المقاعد، لكن أيضا لأنها كانت أول تصويت خال من الأحداث منذ انتخابات الرئاسة المزورة في عام 2009. وهو يرى أن هذه الحقيقة أعادت شرعية النظام الديموقراطية التي تعرضت للإضرار.
وفي الواقع ربط خامنئي بمهارة بين الانتخابات وشرعية النظام، بحيث تعتبر مقاطعتها عملا تخريبيا. ومن ثم، فإنه في حين قاطع العديد من الإصلاحيين وقادة "الحركة الخضراء" المعارِضة عمليات التصويت، أدلى الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي بصوته في هذه الانتخابات. كما أشار خامنئي إلى أن العقوبات الدولية على إيران تهدف إلى تعميق الفجوة بين الشعب والحكومة وتثبيط همة الشعب وإثنائه عن المشاركة في الانتخابات. وبدوره، فإنه استغل معدل المشاركة المرتفع الذي تحدثت عنه التقارير للقول بأن الغرب فشل في تحقيق هدفه الرامي إلى إثارة المشاعر المناهضة للحكومة.
مجلس تشخيص مصلحة النظام الآخذ في الاختفاء
ينص دستور إيران على أن يتولى "مجلس تشخيص مصلحة النظام" تسوية الخلافات بين "مجلس الشورى" و"مجلس صيانة الدستور" واتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة المؤسسات الحكومية على أداء المهام المنوطة بها بشكل فاعل. إلا أن فترة الخمس السنوات للأعضاء الحاليين في "مجلس التشخيص" قد انتهت، وتم إقصاء رئيسه أكبر هاشمي رافسنجاني من مركز السلطة الإيرانية ولن يُعاد تعيينه. وكلا التطورين أسهما في التهميش التدريجي لـ"مجلس التشخيص".
وخامنئي مسؤول أيضا عن اختيار رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الجديد والأعضاء الجدد قبل انتهاء فترة ولايتهم الحالية. ويُرجح أنه أرجأ تلك التعيينات حتى الأيام الأخيرة من السنة الفارسية حتى لا تتمكن وسائل الإعلام من مناقشة التداعيات المترتبة على العزل الحتمي لرافسنجاني. إن المرشح الأوفر حظا ليحل محله هو رئيس القضاء الإيراني السابق محمود هاشمي شهرودي. وكان المرشد الأعلى قد عيّن شهرودي بالفعل رئيسا لـ"المجلس الأعلى للتحكيم وتسوية العلاقات" بين "فروع الحكومة الثلاثة"، وهي هيئة أنشأها خامنئي بشكل غير دستوري. ويبدو أن ذلك المجلس يمتلك نفس الصلاحيات التي يمتلكها "مجلس تشخيص مصلحة النظام" المفوض بحكم الدستور، مثل حل الخلافات بين الرئيس وفروع الحكومة الأخرى. إلا أنها ظلت حتى الآن هيئة صورية إلى حد كبير.
الخاتمة
يختم تقرير معهد واشنطن دراسته بالقول إنه على مدى العقدين الماضيين عمل خامنئي على إضعاف المؤسسات السياسية للجمهورية الإسلامية من أجل تعزيز سلطته الاستبدادية. وهو يرى أنه ينبغي إدارة الدولة من قبل مؤسسات خاضعة لسلطته بصورة مباشرة، وعلى رأسها "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" ووكالات الاستخبارات والسلطة القضائية. إلا أن ثقته بنفسه وحالة الخلل الوظيفي التي تعاني منها المؤسسات البرلمانية والرئاسية ومؤسسات سياسية أخرى قد تجعله في النهاية أكثر ضعفاً في وقت الأزمة، لأن الجمهور سيُحمّله مسؤولية أي قرارات يتم اتخاذها، بما في ذلك تلك التي يُنظر إليها على أنها أفضت إلى حدوث الأزمة.