عندما كان الإيرانيون الأثرياء في السابق قادرين على السفر حول العالم وزيارة الكويت والسعودية والدول المجاورة الأخرى، كانوا يتلقون معاملة كريمة مثل الإخوة والأصدقاء القدامى. حاليا، الكثيرون من الكويتيين والإماراتيين والعراقيين والبحرينيين هم من أصول إيرانية. وقد عبر هؤلاء الحدود أصلا بقصد الزواج أو العمل أو أسباب أخرى، لكنهم لم يتخيلوا أن يأتي يوم يصبح من الصعب فيه زيارة بعضهم بعضا، وأن يحل السلوك العدائي مكان التعامل الأخوي.
المعاملات المصرفية بين الإيرانيين المقيمين في دول الخليج ، خاصة في الإمارات العربية المتحدة، صارت مقيدة بسبب خضوعها للعقوبات المفروضة على إيران. كل ما يسمعه الإيرانيون الآن هو العقوبات والمزيد من العقوبات. حتى عندما يسألون بائع الخبز عن سبب غلاء هذه السلعة الأساسية ضعف ثمنها بين ليلة وضحاها أو عندما يسألون عن سبب ارتفاع إيجار العقارات 20%، يكون الجواب هو نفسه: العقوبات. حتى الجامعات الأجنبية قاطعت الطلاب الإيرانيين الذين لم يعودوا يستطيعون الحصول على تأشيرة لمتابعة تعليمهم العالي. إلى متى يستطيع النظام الإيراني، وخاصة المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، أن يستمر مع كل هذا الغضب والإحباط المتزايد بين الشعب الإيراني؟
قناة الخبر الإيرانية قامت بحركة نادرة غير معتادة حيث أجرت استطلاعا للرأي على موقعها الإلكتروني في 2 يونيو الماضي، طرحت قناة الخبر الخيارات التالية على مشاهديها حول ما يعتقدون أن على الحكومة الإيرانية أن تقوم به:
1- على الحكومة الإيرانية أن توقف تخصيب اليورانيوم حتى يمكن رفع العقوبات تدريجيا.
2- على الحكومة الإيرانية أن تستمر في نهج المقاومة الذي تقوم به.
3- على الحكومة الإيرانية أن تغلق مضيق هرمز.
حوالي 63% من الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إن على إيران أن توقف تخصيب اليورانيوم من أجل رفع العقوبات تدريجيا. الاستطلاع لم يعد موجودا الآن وقالت قناة الخبر إن الموقع تعرض للقرصنة في اليوم الذي تلا إعلان نتيجة الاستطلاع.
ربما قام أنصار آية الله خامنئي بقرصنة الموقع حتى لا يعرف العالم مدى انزعاج الإيرانيين من العقوبات التي تستهدفهم بالدرجة الأولى. هل هذا ما يريده المجتمع الدولي؟ أن يضع ضغوطات على المواطنين الإيرانيين العاديين الذين يكافحون الآن لإطعام عائلاتهم، وإذا قاموا بالاحتجاج ينتهي بهم الأمر في السجن وتوجه إليهم تهم العمالة مع العدو.
الحقيقة هي أنه لا أحد يحب أن يعاني ويبدو أن هناك رؤية أخرى لدى النظام حول التعامل مع الملف النووي. ربما يعتبر آية الله خامنئي التكنولوجيا النووية إرثه الذي سيتركه من بعده. إذا كان آية الله الخميني مؤسس الثورة، فإن آية الله خامنئي يجب أن يترك شيئا مهما بعد بقائه 20 عاما في الحكم! هذا الطموح النووي لخامنئي أصبح هاما لدرجة أن لا أحد يجرؤ على أن يقول كلمة تتعارض مع رغباته وربما تأخر الوقت الآن للمرشد الأعلى ليغير قراره ويتقدم بحل أفضل ما لم يحدث شيء غير عادي وغير متوقع في هذا السياق.
مع تطبيق العقوبات النفطية اعتبارا من 1 يوليو، انخفض تصدير النفط في إيران إلى نصف ما كان عليه في العام الماضي، وبحسب خبراء إيرانيين فإن الصادرات النفطية الإيرانية ستنخفض أكثر عندما يصبح نقل النفط بناقلات النفط الإيرانية مستحيلا. يبدو أنه بدون التأمين الدولي لشحنات النفط في البحار، بعض زبائن إيران، مثل الصين، طلبوا من إيران أن ينقلوا النفط بوساطات ناقلات الزبائن أنفسهم. إذا تركنا مخاطر عدم تأمين شحنات النفط في البحار جانبا، فإن المشكلة الأخرى هي عدد ناقلات النفط الإيرانية التي تستطيع أن تستخدمها على المدى البعيد للإبقاء على مستوى إنتاجها من النفط بمعدل 2.5 مليون برميل يوميا.
من المثير للدهشة أنه رغم جميع التقديرات حول زيادة أسعار النفط في حال تطبيق العقوبات على إيران، فإن سعر البرميل لا يزال 80 دولارا للبرميل في 1 يوليو. يبدو أن السوق استعد للعقوبات على إيران وخزن ما يكفي من النفط خلال فترة الاستهلاك المنخفض للنفط في الصيف، كما قامت بعض دول منظمة أوبيك المصدرة للنفط بملء الفراغ وإمداد زبائن إيران بالنفط. كانت إيران تأمل بأن ترتفع أسعار النفط فور تطبيق العقوبات عليها، مما يجعلها تحقق نفس الدخل بتصدير كميات أقل، لكن حسابات إيران يبدو أنها كانت خاطئة تماما. فما هي الخطوة التالية؟
الآن يلعب النظام الإيراني ورقة مضيق هرمز. التهديد بإغلاق المضيق أمام حركة النقل البحري هو بمثابة إعلان حرب ضد دول الجوار، إذا تركنا الولايات المتحدة جانبا. مع انتقال التعزيزات العسكرية الأميركية الكبيرة إلى الخليج، سيكون من الجنون إذا تصرفت إيران بشكل استفزازي. لكن إيران تهدد عمدا بقصد التأثير على أسواق النفط ورفع سعر برميل النفط الخام. علينا أن لا نأخذ هذه التهديدات الإيرانية على محمل الجد لأن الحكومة الإيرانية تعرف أكثر من أي جهة أخرى التعقيدات التي ستؤدي إليها مثل هذه الخطوة. الجولة الجديدة من المباحثات بين إيران ودول مجموعة 5+1 التي استؤنفت في 4 يونيو على المستوى الإداري في إسطنبول كانت مفيدة بحسب التصريحات التي تلتها، وتم الاتفاق على ترتيب اجتماع بين نائب كاثرين اشتون ونائب رئيس فريق المفاوضين الإيرانيين قريبا.
إن العقوبات في الحقيقة تؤثر على أحلام الشعب الإيراني. أحلامه بحياة أفضل، تعليم أفضل، ومستوى معيشة أفضل في بلد غني بالموارد الطبيعية لكنه فقير بسبب نوع النظام الذي يحكم البلد. ما الأفضل؟: أن يتخلى الإيرانيون عن أحلامهم أم أن يتخلى النظام عن تخصيب اليورانيوم؟