الحرب الإسرائيلية ضد الاستخبارات الأميركية على وشك أن تصبح قذرة، والجدل الذي أثير مؤخرا حول مطالبة اليمين الإسرائيلي بأن تطلق الولايات المتحدة سراح الجاسوس جوناثان بولارد ما هو إلا الجزء البسيط الظاهر من القضية.

لأول مرة منذ سنوات، تقوم أجهزة الإعلام الأميركية بنشر ما يتحدث عنه العارفون ببواطن الأمور في واشنطن كل الوقت.. الاستخبارات الأميركية لا تثق بإسرائيل. في 28 يوليو، كتب الصحفيان آدم جولدمان ومات أبوزو في وكالة أسوسيتد بريس أن "وكالة الاستخبارات الأميركية تعتبر إسرائيل الخطر الأول على مكافحة التجسس في قسم الشرق الأدنى في الوكالة، وهي المجموعة التي تشرف على التجسس في الشرق الأوسط، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين. مكافحة التجسس هو فن حماية الأسرار القومية من الجواسيس. هذا يعني أن وكالة الاستخبارات المركزية تعتقد أن الأسرار القومية الأميركية أكثر أمانا من الحكومات الأخرى في الشرق الأوسط مما هي عليه من إسرائيل". المقال نشر في ذروة المديح السياسي لإسرائيل من البيت الأبيض ومن مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني.

لكن ما يقوله السياسيون الأميركيون في مديح إسرائيل ليس نفسه ما تقوله المؤسسات الأميركية، وهذه معركة تعود إلى عام 1948، حين اعترض وزير الخارجية الأميركية في ذلك الوقت جورج مارشال ورؤساء هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي على اعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل.

أكثر من 17 مذكرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تعترض على اعتراف ترومان المتسرع بإسرائيل الصهيونية، كتبها حينها رؤساء هيئة الأركان المشتركة محذرين الرئيس الأميركي من أن الانحياز للصهاينة في الشرق الأوسط سيؤدي إلى 50 عاما من الحرب. وها هي 60 عاما من الحروب تمضي يؤججها انحياز الولايات المتحدة التام لإسرائيل.

يقول الصحفيان آدم جولدمان ومات أبوزو في مقالهما: إنهما تحدثا إلى مسؤولين سابقين وحاليين في الاستخبارات الذين "تحدثوا شرط عدم الإفصاح عن هويتهم". ونشر هذا المقال في الوقت الذي يتجدد فيه القتال في إسرائيل حول إطلاق سراح جوناثان بولارد أمر يجب ألا يتم تجاهله.

في 29 يوليو في إسرائيل، احتج المتظاهرون خارج أماكن الاجتماعات التي كان رومني يعقدها مع مسؤولين حكوميين إسرائيليين مطالبين بأن يقدم رومني وعدا بإطلاق سراح بولارد. داخل أروقة السياسة الإسرائيلية أيضا، كان رئيس الوزراء نتنياهو يتلقى الكثير من الانتقادات لأنه لم يفعل شيئا لإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد من السجن. في 31 يوليو، هاجم عضو الكنيست الإسرائيلي يوري أرييل حكومة نتنياهو بسبب تقاعسها بخصوص بولارد، وبسبب رفض إرسال ممثل إلى لجنة الكنيست التي تتبنى القضية.

المزاج في واشنطن، من وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاجون، سلبي نحو إسرائيل كما كان عليه الوضع خلال الـ30 سنة الماضية. وهناك الكثير مما لا يقوله الصحفيان آدم جولدمان ومات أبوزو حول التاريخ الطويل لعمليات إسرائيل الاستخباراتية ضد الولايات المتحدة خلال الـ 50 سنة الماضية ومعظمها لم تصل إلى المحاكم.

في سبعينيات القرن العشرين، سرق موظفون في الكونجرس وثائق سرية من مكاتبهم ومرروها إلى جواسيس إسرائيليين كانوا يعملون انطلاقا من السفارة الإسرائيلية أو من عشرات من البيوت الآمنة في نيويورك أو واشنطن. في تلك الفترة، كان الإسرائيليون مهتمين بشكل خاص بخصوص مبيعات أميركا من الأسلحة للدول العربية والإسلامية مثل السعودية. في أوائل الثمانينيات، سرق جوناثان بولارد كمية كمبيرة من الوثائق التي كانت تحوي معلومات بالغة الأهمية. في مذكرة لا تزال سرية حتى الآن، قال وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت كاسبر واينبرجر إن بولارد أحد أخطر الجواسيس في تاريخ الولايات المتحدة. معظم المشفرين الإسرائيليين على بولارد لا يزالون يتولون مناصب رفيعة في إسرائيل، والواجهات العلمية التي مولت الجاسوس الإسرائيلي لم تتعرض للمساءلة أو المحاكمة مطلقا. حتى وولف بليتزر من قناة CNN كتب في 1987 أن "بولارد كان جاسوسا بارعا قدم معلومات هامة للإسرائيليين".

بعض الإسرائيليين يعترفون بأن إسرائيل تتجسس على الولايات المتحدة. يوسف هارتوف، وهو إسرائيلي يقيم في مستوطنة إسرائيلية للمتطرفين في الضفة الغربية، كتب في 29 يوليو في مدونته على الإنترنت أن إسرائيل لديها دوافع للتجسس على الولايات المتحدة لأن الأخيرة لا تعطي إسرائيل المعلومات التي تريدها حول المواضيع الهامة، مثل ما تعرفه أميركا عن القدرات العسكرية الإيرانية والعربية، وما تقوله أميركا لأعداء إسرائيل في السر، و"ما هي قدرات الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة لأعداء إسرائيل؟ هل المعلومات التقنية المتوفرة كافية للقيام بإجراءات مضادة؟" هذه المعلومات هامة لبقاء إسرائيل، في اعتقاد هارتوف والآلاف الذين هم مثله. لماذا إذا لا تتجسس إسرائيل على الولايات المتحدة الأميركية؟

التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة يتم بشكل هائل، ولا يزال الكثيرون من المسؤولين الإسرائيليين والمؤسسات الإسرائيلية في أماكنهم في الولايات المتحدة وإسرائيل.