تصادف الليلة ليلة غزوة بدر الكبرى، التي يعرف الكثيرون أسبابها، ومجريات أحداثها، ونتائجها.. لست هنا بصدد السرد التفصيلي للغزوة، فهذا ستغنيني عنه برامجنا التلفزيونية والإذاعية وصحفنا المحلية اليوم وغدا؛ فالمناسبة كما يقولون تتحدث نفسها. ما يهمني هو الكتابة عن ساداتنا (البدريين) رضوان الله تعالى عنهم أجمعين؛ الذين جاءت في فضلهم الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، ومنها: عن رفاعة الزرقي رضي الله عنه: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين. قال: كذلك من شهد بدراً من الملائكة. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "اطلع الله تبارك وتعالى على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وفي الصحيح في قصة كتاب حاطب، أن سيدنا عمر قال: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال له: "أليس من أهل بدر؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - أو قال - قد وجبت لكم الجنة"؛ وفي معنى هذه الأحاديث أحاديث أخر.. للفائدة أذكر أن قوله صلى الله عليه وسلم: "اعملوا ما شئتم" قد استشكل على البعض بسبب أن ظاهر القول يبيح كل فعل مستقبل، وأجيبَ عن ذلك بأن القول إخبارٌ عن الماضي، ولو كان لما يستقبل لقال: فسأغفره لكم، وتعقب هذا القول بقصة سيدنا حاطب المشهورة. ومما قيل: إن صيغة الأمر في "اعملوا" للتشريف والتكريم، وهي خصوصية لهم رضوان الله عليهم. وقيل أيضاً: إن المراد أن ذنوبهم تقع، وإذا وقعت يغفرها الله، وقيل: هي شهادة بعدم وقوع الذنوب منهم؛ وفي ذلك نظر، ويهمنا أن نعلم أنه لا يختلف أحدٌ من العلماء في أن البشارة المذكورة هي فيما يتعلق بأحكام الآخرة، لا فيما يتعلق بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها.
(البدريون) ـ وهذا صلب المقال ـ ألف في ضبط أسمائهم وسردها وحفظها مجموعةٌ من العلماء الكبار، ومنهم السيد جعفر ـ الأول ـ بن حسن البرزنجي مفتي الشافعية بالمدينة المنورة، والإمام والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، والمتوفى عام 1177 هجرية؛ نظم أسماء الصحابة البدريين والأحديين على حروف المعجم في منظومة سماها (جالية الكُرب بأصحاب سيد العجم والعرب)، عبارة عن رسالة حظيت مقدمتها بالقبول، وخاتمتها ببعض الخلاف، وقد بدأها بعنوان المقال، وتوجد في مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة المنورة نسخة مخطوطة من النظم مذهبة ومزخرفة، كتبت في عام 1249 هجرية، بدأها المؤلف بقوله: "الحمد لله الذي تقدست صفاته وأسماؤه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنارت الوجود أضواؤه.."، وللتاريخ أقول إن من مفاخر المدينة المنورة في العصر الحديث مكتبة شيخ الإسلام أحمد عارف حكمت الحسيني التي أنشأها وأوقفها عام 1200هجرية، والتي تعد أقدم المكتبات الوقفية، وأغناها بالمخطوطات النادرة والقيمة في شتى العلوم، وقد كان مقرها دار الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - قريباً من باب سيدنا جبريل، على جهة القبلة، جنوب المسجد النبوي، تعلوها قبة كبيرة وجميلة، وقد نقلت محتوياتها إلى مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة..
دروس غزوة بدر وعبرها متنوعة، ومنها تخليد أسماء أولئك الأخيار الأبرار.. اللهم ارض عنهم (أجمعين)، وكما نصرتهم وأيدتهم انصر المسلمين وأيدهم على أعدائك وأعدائهم الظاهرين والمستترين.