بعد سلسلة الثورات في الربيع العربي وما تبعه من وصول لعدد من التيارات الإسلامية لسدّة الحكم؛ يبدو أن الأمر لم يقف هنا، حيث إن أحد المرشحيْنِ للرئاسة الأميركية المقبلة متدين أيضا! ويتبع أحد التجمعات الدينية التي قد تُصنف بأنها متشددة! نظرا لما تعتنقه من أفكار متشددة في نظر الأميركان وغيرهم. وقد جذب هذا الرجل الأضواء نحوه في زيارته الأخيرة لإسرائيل بتصريحاته المتطرفة، وإعلانه بأن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل!

هذا الرجل هو ويلارد ميت رومني (Willard Mitt Romney)، الذي فاز بترشيح الحزب الجمهوري للمنافسة على الرئاسة الأميركية مؤخرا، بعد أن خسر المنافسة أمام ماكين في الانتخابات الترشيحية السابقة، وهو حاكم ولاية ماساتشوسيس بين عامي 2003 -2007م ، وقد تركها بعجز مالي كبير. وأبوه George Romney كان أيضا حاكما لولاية ميتشيجان بين عامي 1963 -1969م، وهو ثري جدا، حيث يُقدر صافي ثروته ما بين 190 -250 مليون دولار، ويصرف منها بسخاء على دور العبادة التابعة لمذهبه الديني، كما يصرف منها بسخاء أيضا على حملته الانتخابية.

وينتمي رومني إلى الطائفة المورمنية التي هي إحدى الطوائف المسيحية الحديثة، والتي أسسها الرسول - كما يسمونه - جوزيف سميث (Joseph Smith) الذي توفي عام 1844م، ويبلغ أتباعها في أميركا فقط قرابة 14 مليونا، ويقع مركزها في ولاية يوتا. وهذه الطائفة تحمل عددا من الأفكار المستهجنة من بقية الطوائف المسيحية الأخرى، وكذلك في الفكر والثقافة الأميركية والغربية عموما، حيث من اعتقاداتهم المثيرة للجدل؛ إباحتهم لتعدد الزوجات بالرغم من أن النظام الأميركي يمنع ذلك! الأمر الذي يسبب لهم الكثير من الانتقادات خصوصا من الجمعيات واللوبيات المساندة لحقوق المرأة هناك. إضافة إلى تجنبهم للكثير من المشروبات المسببة للإدمان في نظرهم، فهم لا يشربون الخمر والكحول، كما لا يشربون القهوة والشاي وغيرهما من المنبهات أيضا، بالإضافة إلى أن لديهم نظاما شديدا فيما يتعلق بالعفّة والعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة. وهذه الطائفة من أنشط الطوائف في التبشير للمسيحية على الطريقة المورمنية، حيث يُقدر عدد المبشرين المورمن في العالم بـ 55000 مبشر.

أعود إلى رومني الذي يُحار الواحد في وصفه؛ هل هو رجل دين؟ أم رجل أعمال؟ أم رجل سياسة؟ الحقيقة أنه جمع بين جميع هذه الأوصاف الثلاثة! فهو له علاقة قوية جدا بطائفته (المورمن) التي ينتمي إليها، والتي تنسب نفسها إلى كنيسة المسيح عيسى لقدّيسي الأيام الأخيرة، ويُرمز لها دائما بـ (LDS Church - Latter-day Saints)، وحصل على منصب كبير فيها (stake president) في مدينة بوسطن بين عامي 1986-1994م.

ويُقدر وقته الذي يصرفه للأعمال التطوعية وخدمة الكنيسة بما يقارب ثلاثين ساعة أسبوعيا، كما وقد عمل في عام 1966م كمبشر للطائفة في فرنسا لمدة تزيد عن سنة، فهو لا ينتمي إلى الطائفة فقط كما هو الحال للرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، بل هو من الناشطين فيها.

وقد أراد رومني أن يبدأ مشواره السياسي بتأييد إسرائيل ووجهة نظرها في أهم القضايا حساسية في صراعها مع العرب والمسلمين، ولم يُقم أي اعتبار لجميع الدول العربية، بل حتى لم يُراعِ الظروف الحالية الملتهبة في المنطقة، وقد انتقده عدد من المحللين الأميركيين على ذلك، بأن الظروف لا تسمح بمثل هذه التصريحات النارية، وأنه لا فائدة منها، كما أنه انتقد إيران بشدة ولمّح إلى الخيار العسكري تجاهها، كما هي عادة الجمهوريين في ميلهم إلى الحروب.

أعود وأقول؛ هذه الموجة العالمية بالنزوع إلى التديّن قد توحي إلى مشاكل مستقبلية كبيرة. وأخشى أن تتحول إلى مواجهات دينية مسلحة، وعندها تكون الكارثة! فإذا كان ضحايا الحروب الصليبية يُقدرون بمئات الآلاف، فكم سيكون الضحايا مع توفر التكنولوجيا القاتلة والفتاكة؟! فالسياسة إذا دخلتها الإيديولوجيات بشكل متشدد؛ فإن الأمور الخلافية تتعقد ويصعب حلها، حيث غالبا تكون العقول المؤدلجة لا تُعير للسياسة والعقل الكثير، وربما تُتخذ قرارات ضخمة لأجل نزعة دينية لفكرة ما قد لا تكون تجلب النفع بل عكسه، ولكنه العقل عندما يكون سليباً للإيديولوجيا! وأعتقد، والله أعلم، أن عددا من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة السابقة للبيت الأبيض كانت مبنية بشكل أو آخر على هذا المبدأ، ما بين إيديولوجيات دينية أو حتى أفكار سياسية أصبحت في حقيقتها إيديولوجيات مسلّمة في الفكر السياسي الأميركي/ الغربي آنذاك.. أسأل الله أن يُبعد عنا كل سوء وشر.