تسترجع الذاكرة لحظات "الحزن" فتكون عوناً ـ بعد الله ـ في التكاتف والتلاحم.. وتسترجع لحظات "الوفاء" فتكون دافعاً لحب الناس. لم تذهب من ذاكرتي صور "الغدر" التي عايشت بدايتها صغيراً قبل 22 عاماً، حين استيقظت على خيانة جارٍ لجارته، وما زلت طيلة 22 عاماً شاهداً على أن "المغدورة".. قدمت التسامح على الانتقام، والحب على العداء، والوفاء على الخيانة، فكانت محبوبةً عند الغريب قبل أهلها، حفظها الله من كل مكروه.
بمثل أمس كان تاريخاً كئيباً قبل 22 عاماً، وبمثل أمس كان خميساً أسود في عام 1990.. حينما صُدمت "الكويت" بغدر جار، وانتصرت بوفاء جار، فعادت شامخة بالعز والحب، لترد جميل جار الوفاء، وتحتضن جار الغدر دون أن تؤاخذ شعباً بذنب رئيسه "صدام" الذي تعتبره نال جزاءه.
الكويت بلد لا يحتاج إلى تدريس أطفاله "الوطنية" لأنها طاغية على قلب الصغير قبل الكبير.. الكويت بلد يتسع للجميع رغم صغر خريطته.
منذ 22 عاماً والكويت تستذكر يوم الغزو لتُرسخ الوطنية لدى شعبها الممتلئ وطنيةً وحباً للوطن، وتحتفل بيوم التحرير لتحفظ الوفاء لأهل الوفاء. كانت جريمة غزو الكويت ساحة لقتل 1344 شهيداً، ومسرحاً لتدمير بلد وإحراق 700 حقل نفط وتخريب مثلها، وإهدار ثروات بلد وتدنيس بيئته. وكانت جريمة الغزو دافعاً لزيادة حب الوطن وتقارب أهله وتراحمهم وتوادهم، رغم الضجيج السياسي فيما بينهم في البرلمان والإعلام. وكما كنت شاهداً على لحظات الغزو العراقي للكويت، كنت شاهداً على فرحة عودة الكويتيين إلى بلادهم وسط الخراب والدمار، وكنت أشاهد زملائي طلاب المدارس يشاركون في إعادة تجميل وتزيين مدارسهم، في لوحة وطنية رائعة.