أدركت بعض أجزاء من برنامج الشيخ علي الطنطاوي "على مائدة الإفطار".. الذي كان يطل علينا بعد صلاة المغرب طيلة شهر رمضان المبارك، على شاشة القناة السعودية الأولى.
كانت بشاشة محياه ترجمانا حقيقيا لأحاديثه الماتعة، كان فقيها وفيلسوفا وأديبا متجاوزا وسابقا لزمنه، شفافا لا يحاول أن يصور نفسه على غير ما هي عليه.. يسرد حكايات شبابه، بل إنه لا يجد أي حرج في الحديث عن نزواته، ومواقفه، ثم ما يلبث أن يغمرك بقناعاته حول سماحة الإسلام وجماله، ولا أذكر يوما أنه تحدث - سواء في برنامجه أو في كتبه - عن الطائفية أو الشحناء أو البغضاء المستشرية في كثير من الناس هذه الأيام.
كان حضوره غريبا بالنسبة لنا، تلقائيته جعلته - في نظرنا - مختلفا عن كل الفقهاء والعلماء الذين نشاهدهم على الشاشات، لم يكن يضيره أن يحكي عن أي شيء يجول في خاطره.. يتحدث عن الأدب الفرنسي، وعن إعجابه بالشعراء الفرنسيين مثل "لامارتين" وغيره، بل ويسخر من نفسه إذا نسي أو أخطأ.. ولطالما تشعب به الحديث، ثم خانته ذاكرته، ولم يكمل.
كنا نتحلق حول الشاشة مأسورين بأحاديثه، ولا نتساءل عن جنسيته أو طائفته أو مذهبه أو أصوله أبدا.
هذا الحنين إلى أحاديث الطنطاوي دعاني للعودة إلى مشاهدة بعض حلقات برنامجه عبر موقع مشاركة الفيديو "يوتيوب"، لكن ما لفتني وآلمني هو بعض التعليقات التي تضمنتها حلقات البرنامح على الموقع، والتي بدأها بعض من ينتقدون الشيخ ويعيبون عليه ميوله الأدبية على الرغم من كونه فقيها، ثم ما لبثت أن تحولت تلك التعليقات إلى شتائم واتهامات طائفية مقيتة، بل وصل الأمر إلى همز ولمز لتوجه الشيخ، وطعن في فضله وورعه رحمه الله.
هذا الفيضان الطائفي البغيض هو إفراز طبيعي لسموم دعاة التحريض المختلفين عن الطنطاوي، الذين تمتلئ بهم فضائيات "الفتنة" الآن.. فرحمك الله يا شيخنا الأديب.. وما أحوجنا إليك في هذا الزمن المشحون.