اعتبر عدد من أعضاء لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية بالرياض بعض الممارسات التي تقوم بها عدد من شركات المقاولات من خلال بيع المشاريع التي يتم إرساؤها عليهم على شركة واحدة من الباطن أمر غير مقبول، وقالوا خلال ندوة "الوطن" حول قطاع المقاولات في المملكة إن مبدأ "بيع الجمل بما حمل" يضر بسمعة القطاع.

وأشار هؤلاء خلال حديثهم في الندوة التي عقدت في مقر "الوطن" بالعاصمة الرياض أن عدم وجود ضوابط محددة لإصدار السجلات التجارية التي تسمح بمزاولة التجارة في قطاع المقاولات، من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى العشوائية الموجودة في هذا القطاع خلال الفترة الحالية.

وكشفوا خلال حديثهم عن وجود مقاول "متهور" وآخر "منتحر" في قطاع المقاولات، مطالبين في الوقت ذاته بضرورة إنشاء جهة تكون أكثر شمولا بالمقاولين كهيئة خاصة بالمقاولين، من خلالها يمكن تنظيم السوق بالشكل المناسب، والدفاع عن حقوق المقاول الذي بات الشماعة التي تعلق عليها الجهات الحكومية فشلها في إنجاز المشروعات في الوقت المحدد على حسب وصفهم.


المرجعية الحلقة المفقودة

قال رئيس لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية في الرياض فهد الحمادي خلال مشاركته في الندوة: " إن قطاع المقاولات للأسف يفتقد للمرجعية التي من خلالها يمكن تنظيم القطاع، وإعادة الأمور إلى نصابها، نحن نسعى إلى الإيجابية في أعمالنا دائما، ولكن عادة ما نواجه ردة فعل سلبية من المجتمع، من خلال اتهامهم لنا بالتسبب في التأخير في إنجاز المشاريع، وهو الاتهام الذي يبنى على معلومات خاطئة.

وأشار الحمادي إلى أن قطاع المقاولات في المملكة بحاجة إلى جهاز حكومي من خلاله يتم الاستناد على أدائه الحقيقي، مبينا أنهم في اللجنة اقترحوا وجود هيئة خاصة بالمقاولين منذ زمن بعيد، ولم يتم الموافقة عليها حتى الآن.

وكشف الحمادي أن أكثر من 90% من المشاريع المحلية تم إنشاؤها من قبل المقاول السعودي، وقال "المقاولون السعوديون هم شركاء حقيقيون للنهضة الكبيرة التي تشهدها البلاد، ويبذلون في هذا الاتجاه جهودا كبيرة للمشاركة في التنمية، إلا أنهم بحاجة إلى جهاز حكومي من خلاله يمكن تقييم الأداء بعقلانية بعيدا عن الاتهامات المبنية على أسس غير صحيحة".


المقاول جزء من المشكلة

من جهته قال عضو لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية بالرياض المهندس عبدالحكيم السحلي خلال مشاركته في الندوة إن المقاول لا يتحمل مسؤولية التأخير في تنفيذ المشاريع، وقال "المقاول جزء من المشكلة صحيح ولكن ليس كل المشكلة، لأن هنالك جهات كثيرة تدخل في موضوع التسبب في التأخر في تنفيذ المشاريع، ومن ضمن هؤلاء المتسببين، الجهة المسؤولة عن المشروع، حيث إن بعض هذه الجهات لا تهيئ المشروع أمام المقاول حتى يقوم بتنفيذه وفقا للجدول الزمني الذي تم الالتزام به، إضافة إلى موضوع تأخر تحصيل المبالغ المالية من هذه الجهات".

وأشار السحلي إلى أن أداء المكاتب الاستشارية المتعلقة في قطاع البناء والتشييد في المملكة ضعيف جدا خلال الفترة الحالية، مبينا أنه من الضروري أن تساهم هذه المكاتب في عملية التنمية العمرانية التي تشهدها البلاد خلال الفترة الحالية بكل إيجابية.

وأشار السحلي إلى أن المقاول في المملكة بات "شماعة" يتم من خلالها تعليق الأخطاء، وقال "الجهات المسؤولة عن المشاريع دائما ما تضع المقاول شماعة فشلها في تنفيذ المشروع في الوقت المحدد، رغم أنه لو كان هنالك تهيئة لبيئة العمل أمام المقاولين لكان هنالك نتائج إيجابية في نهاية الأمر، وهو ما يطمح إليه المقاول بكل تأكيد".





لا ضوابط لإصدار السجلات

من جهة أخرى أكد عضو لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية بالرياض المهندس مهند العزاوي أن من أهم التحديات التي تواجه قطاع المقاولات في المملكة هو عدم وجود ضوابط محددة لإصدار السجلات التجارية التي تسمح بمزاولة التجارة في قطاع المقاولات، وقال "بات الحصول على سجل تجاري في قطاع المقاولات أمرا سهلا، لا بد أن تكون هنالك ضوابط محددة، من خلالها يتم تنظيم السوق بالشكل الصحيح".

وبيّن العزاوي أن عدد المقاولين المصنفين في المملكة يبلغ نحو 2700 مقاول، على الرغم من وجود آلاف السجلات التجارية في قطاع المقاولات، مضيفا "هذا الأمر يعني أن هناك من يصدر سجلا تجاريا بمؤسسة مقاولات بحثا عن تأشيرات العمالة كي يقوم بالمتاجرة بها، هذا الأمر سلبي ولا بد من وضع حد له".

وأشار العزاوي إلى أن أخذ المشروع وبيع الجمل بما حمل من قبل المقاول أمر لا يمكن القبول به، مضيفا "عملية توزيع المشروع على مقاولين من الباطن أمر احترافي وجيّد، ولكن بيع الجمل بما حمل على مقاول واحد يسيء إلى القطاع ولا نتمنى حدوثه".


تصنيف المقاولين

فيما طالب فهد الحمادي بضرورة أن يكون هناك تصنيف خاص بالمقاولين في السوق السعودية، مشيرا إلى أن هذا التصنيف يعتمد على وجود شهادة من خلالها يعطى المقاول درجة معينة بناء على أدائه المهني والاحترافي في هذا القطاع.

من جهته أكد العزاوي أن تصنيف المقاولين الموجود خلال هذه الفترة في السوق الحالية غير معترف فيه، وقال "إنه يجب أن ينشأ صندوق خاص لتمويل المقاولين، يتم دعمه بناء على المشاريع الحكومية المطروحة، وهو ما سيقلل من الآثار السلبية من التأخير في تسليم المقاولين حقوقهم".

بينما اعترف الحمادي بوجود مقاولين متهورين في عملية تعهدهم في تنفيذ مشاريع تعتبر أكبر من حجم قدرات شركاتهم، وقال "نتيجة لهذا التهور يكون هناك عدم التزام من قبل مثل هؤلاء المقاولين المتهورين في تنفيذ المشاريع، وهو ما ينتج عنه إساءة لسمعة القطاع أمام المجتمع".

وقاطع السحلي الحمادي قائلا: "أخي فهد.. هناك مقاول منتحر، وهو من يقوم بالمنافسة على تنفيذ المشاريع بأقل الأسعار، وبنتيجة طبيعية لهذا العمل فإنه سيواجه مشكلة كبيرة في عملية عدم الاستمرار في تنفيذ المشروع، ومثل هذا المقاول أيضا يسيء لسمعة القطاع لأنه في نهاية الأمر لن يستطيع تنفيذ المشروع نتيجة لشعوره وهو في منتصف الطريق بأنه بدأ يطرق أبواب الخسارة الفادحة".


15 % من صغار المقاولين "متهورون"

وأوضح السحلي أن نحو 15% من صغار المقاولين "متهورون" في عملية تعهدهم بتنفيذ مشاريع أكبر من إمكانيات شركاتهم، مبينا أن ما نسبته 3% فقط من كبار المقاولين متهورون في عملية تنفيذ المشروعات.

وأشار السحلي إلى أن النظام لا يشترط أرخص الأسعار بل أنسبها، مضيفا "لا بد عند التقدم بملف لمشروع ما أن يعتمد المقاول على عدة جوانب في عملية إمكانية تنفيذ المشروع في الوقت المحدد من عدمه، ولا بد أن يكون هناك ترابط بين مستوى التنفيذ المتوقع مع المبلغ المالي المطلوب لتنفيذ المشروع".

الخصم والحكم والجلاد "واحد"

وحول النظرة السلبية التي تسيطر على أذهان الناس تجاه المقاولين، قال العزاوي :"للأسف أن من يتهمنا بالتأخر في تنفيذ المشاريع هي الجهة الحكومية المسؤولة عن المشروع، وهنا نستطيع القول بأن الخصم والحكم والجلاد واحد، حيث إنه لا بد من أن يكون هنالك جهة تنظم السوق وتراقبه وتستطيع أن توازن الأمور وتستطيع الكشف عن المتسبب في التأخر في تنفيذ المشروعات دون أن يكون الأمر مجرد اتهامات".

من جهته أوضح الحمادي أن 60% من حجم الصرف على تنفيذ المشاريع يتم في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كل عام، وقال "من المفترض أن يكون الصرف على جميع أشهر السنة، لأن التأخر في الصرف ينتج عنه التأخير في تنفيذ المشروع، وهو الأمر الذي دائما ما يذهب ضحيته المقاول".


البحث عن الكفاءات

من جانبه أكد السحلي أن شركات المقاولات دائما ما تستقطب الكفاءات الهندسية والفنية المتميزة في سوق العمل، مبينا أن عملية الاستقطاب هذه لا تتوقف عند باب القطاع الخاص فقط، بل تصل إلى استقطاب الكفاءات البارزة في الجهات الحكومية في الوقت ذاته.

وحول برنامج نطاقات، طالب الحمادي وزارة العمل بتحديد المهن التي من الممكن سعودتها في قطاع المقاولات، وقال "نطاقات رفع نسبة السعودة المطلوبة في قطاع المقاولات إلى 8% كشرط لدخول النطاق الأخضر، وأعتقد أنه لن يستطيع تحقيق هذه النسبة سوى المقاولين المصنفين، والبقية سيعانون من النطاق الأحمر".

وتمنى الحمادي أن يكون هنالك معهد أو شركة خاصة بتدريب الشباب على العمل في قطاع المقاولات، بمساهمة ودعم مباشر من شركات المقاولات، شرط الإعفاء من برنامج نطاقات إلى حين تخرج الكوادر التي تقوم بتدريبها.

وأضاف الحمادي: "للأسف النسبة الأكبر من الشباب السعودي الذي يعمل في شركات المقاولات لا يستفاد منهم بشكل ملموس، والهدف من توظيفهم هو البحث عن النطاق الأخضر، لذلك لا بد أن يكون هناك دورات تدريبية تؤهلهم لسوق العمل".

وقاطع العزاوي حديث الحمادي قائلا: "العمل في قطاع المقاولات بالنسبة للسعوديين صعب جدا، لأن مشاريع المقاولات تحتم علينا كمقاولين التنقل بين كافة مناطق المملكة من فترة زمنية لأخرى، وهو الأمر الذي من الصعب أن يتحمله السعوديين".


المشاريع تتسع للجميع

وذكر العزاوي في تنافس المقاولين أن عدد المشاريع المطروحة في السوق المحلية تكفي لجميع المقاولين المتنافسين، وقال "التنافس بين المقاولين موجود، ولكن ضخامة أعداد المشاريع المطروحة".

وحول انخفاض معدلات تمويل البنوك لشركات المقاولات، قال السحلي: "البنوك في نهاية الأمر هي شركات مساهمة، ولا نلومها في تحفظها بالتمويل، ونحن نقدّر لهم القيام بهذه الخطوات الاحترازية".

توصيات الندوة

وفي ختام الندوة خلص المشاركون إلى عدد من التوصيات التي يرونها هامة بالنسبة لقطاع المقاولات، وجاءت أهم التوصيات في أهمية إنشاء مرجعية خاصة بالقطاع والمستثمرين فيه، وضرورة تفعيل القرارات التي صدرت فيما يخص تنظيم السوق، بالإضافة إلى أهمية إنشاء صندوق خاص بتمويل المقاولين وقت الحاجة.

واعتبر المشاركون هذه التوصيات الثلاث الحل الأمثل لمشاكل قطاع المقاولات، وقالوا "القطاع في نهاية الأمر هو قطاع حيوي، ومساهم بشكل كبير في عملية النهضة العمرانية التي تشهدها البلاد، لذلك من الأهمية أن يكون هنالك مرجعية لهذا القطاع، وأن ينشأ صندوق "للتمويل عند حاجة المقاول إلى هذا التمويل بسبب عدم إيفاء الجهة المالكة أو المسؤولة عن المشروع لالتزاماتها المالية مع المقاولين".


نطاقات في ذاكرة المقاولين

يذكر أن رئيس لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية بالرياض فهد الحمادي قد قال خلال مؤتمر صحفي انعقد قبل نحو 3 أشهر: "من حقنا المطالبة بحقوقنا لإنجاز المشاريع الجبارة وعدم تعثرها، ونؤكد أنه ليس صحيحا ما يتردد بأن المقاول الوطني غير قادر على تنفيذ المشاريع الكبرى في المملكة، والدليل على ذلك نجاح شركة وطنية رائدة في تنفيذ مشروع تصريف سيول جدة".

وأشار إلى أن "نطاقات" برنامج ممتاز وتشكر عليه "العمل"، إلا أنه استدرك قائلا "لكن قطاع المقاولات 80% هي للعمال العاديين، والنسبة الباقية هي للنجارين وسائقي خلاطات وقلابات وغيرها من المهن، لذلك نطالب وزارة العمل بتصنيف المهن داخل القطاع حتى نعرف ما هي المهن التي من الممكن أن يشغلها السعوديون".

وأوضح أن بعض المهن قابلة للتوطين في قطاع المقاولات والبعض الآخر غير قابل، معتبرا إيجاد ما نسبته 7% من السعوديين للعمل داخل القطاع بهدف التواجد في النطاق الأخضر أمر صعب للغاية.

وحذر الحمادي من إمكانية ارتفاع تكاليف البناء في المملكة، وقال "نخشى أن نصل إلى مرحلة جفاف السوق من الأيدي العاملة مما سيزيد من حدة التكاليف على المستهلك النهائي، كما أنه فرصة للشركات الأجنبية للدخول إلى السوق والسيطرة على الأسعار".

فيما قال العزاوي خلال المؤتمر الصحفي ذاته: "أغلب مهن قطاع المقاولات يدوية وحرفية، ولا توجد أية معاهد متخصصة في تدريب الشباب للعمل في هذه المهن"، مشيرا إلى أن القطاع يحتاج إلى تصنيف المهن ووضع حد أدنى للأجور كي يتمكن الشاب السعودي من أداء عمله المطلوب منه على أكمل وجه. واعتبر عدم وجود قاعدة بيانات للباحثين عن العمل ومؤهلاتهم لدى وزارة العمل سببا في الفجوة الحالية بين الباحثين عن العمل والشركات بمختلف قطاعاتها، مضيفا "الشركات تتذمر من الإعلان عن الوظائف الموجودة لديها بالطرق التقليدية كالإعلان في الصحف وخلافه، لا بد من تدخل وزارة العمل في هذا الجانب بإيجاد قاعدة البيانات".