من ألطف الهوايات العتيقة التي اشتهرت في صفحات تعارف المجلات المنوعة؛ هواية جمع الطوابع والعملات، والتي سادت دهراً ثم بادت، ولكن يبدو أن وزارة الثقافة والإعلام تأبى إلا أن تعيد الحياة لهواية جمع الأشياء، لتكوّن هواية جديدة تتشكل وتتوسع، لكنها ليست لطيفة أبداً.
فالمتتبع لمسيرة وزارة الثقافة والإعلام في تأسيس الجمعيات التابعة لها، يرى وكأن هدف الوزارة الوحيد هو تأسيس الجمعيات وفقط، وضمّها تحت مظلتها لتصبح مجرد رقمٍ يضاف إلى التقرير السنوي للوزارة، دون أي تفعيل أو دورٍ حقيقي تلعبه مثل هذه الجمعيات.
انضم مؤخراً إلى قائمة ألبوم الجمعيات جمعيتان اثنتان؛ الأولى لكتاب الرأي، والثانية للإعلام الإلكتروني، وهاتان الجمعيتان وبقدر ما كانتا إضافة لمؤسسات المجتمع المدني، إلا أنهما حتماً سوف تنضمان إلى قائمة الجمعيات الراكدة، بداية من الجمعية الأقدم: الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، والتي لا تزال تراوح موقعها منذ إنشائها عام 1393، بل أكاد أجزم بتراجعها بعد انتقالها إلى وزارة الثقافة والإعلام، خصوصًا مع هزالة ميزانيتها، وضبابية مستقبلها مع بروز الأندية الأدبية، وظهور فكرة المراكز الثقافية في المناطق، ثم الجمعيات الأحدث مثل جمعية التشكيليين السعوديين، التي كُلف مؤخراً أحد التشكليين برئاسة مجلس الإدارة بعد اعتذار الرئيس، ثم الجمعية الأكثر ضجيجًا والأقل عملاً: جمعية المسرحيين السعوديين، التي يعاني مجلس إدارتها من استقالات وتلاسنات منذ انتخابات عام 2008م.
القاسم المشترك بين تلكم الجمعيات القائمة هو ضعف الأداء وموسميته، وكذلك تذمر الأعضاء، والأهم ضوضاء الخلاف الشديد بين أعضاء مجالس الإدارات من جهة وأعضاء الجمعيات العمومية من جهة أخرى، مما أفرز جمعيات معطلة، ومشهداً ثقافياً يزداد تباعداً وفرقة.
وللأسف فإن الوزارة وخصوصًا وكالة الشؤون الثقافية لم تنجح في صياغة قواعد إدارية ونظامية تحكم عمل تلك الجمعيات، وتؤطر علاقاتها الداخلية بين أعضائها، والخارجية، خصوصًا تمثيل المملكة في المحافل الدولية والمهرجانات ذات العلاقة بتخصص الجمعية، خاصة بعد ملاحظة انتقال عدوى احتكار فئة محددة من أعضاء مجلس الإدارة أو أحبائهم من الجمعية العمومية للمشاركات الخارجية، وحجبها عن جمهور الأعضاء من الشباب، كما هو الأمر في ترشيحات وزارة الثقافة والإعلام أو وزارة التعليم العالي، فضلاً عن أن القاسم المشترك الأبرز هو غياب الدعم المالي المناسب من الوزارة، والدعوة دائماً لكي تعتمد الجمعيات على مواردها الخاصة، وهو أمرٌ في غاية الصعوبة في وقتنا الحاضر، إن لم يكن مستحيلاً!، نظراً لانخفاض عائد الاشتراكات السنوية للأعضاء، وندرة دعم القطاع الخاص لمشاريع الجمعيات، مما يؤدي إلى إصابة الأعضاء الفعالين من المتطوعين بخيبة أمل، وانسحابهم التدريجي من نشاطات الجمعيات، التي تعدّ على أصابع اليد الواحدة أصلاًَ.
والحل يكمن بضرورة إيجاد آلية محددة ومستمرة لدعم الحد الأدني من المصاريف الإدارية للجمعيات من قبل الوزارة، وتأسيس صندوق وقفي لهذه الجمعيات التي تجمع بين جدرانها مبدعي ومبدعات المملكة، هذا الصندوق يموّل مشاريع الجمعيات بطريقة احترافية واضحة، بناء على شروط وأحكام، تستلزم وجود هيكل إداري بالجمعية واستقراراً إداراياً، وتحديدًا لهدف المشروع والفئة المستهدفة، والتكاليف المالية المتوقعة، وآلية التنفيذ والرقابة، دون إغفال الإطار الزمني للتنفيذ، على أن يتم توزيع التمويل على دفعات مالية بناء على تقدم مراحل الإنجاز وتقارير الأداء الدورية، الأمر الذي يساعد على دعم الجمعيات بشكل نوعي، ويحل مشكلة الميزانية بشكل جذري، ويسهم في رفع المستوى الإداري والمهني للجمعيات، بالإضافة إلى إذكاء روح التنافس بين الجمعيات نفسها، حينما تتنافس الجمعيات مع بعضها للحصول على تمويل لمشاريعها السنوية، وهو ما يحدث حالياً في معظم الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، حينما تتنافس الجمعيات للحصول على منحة حكومية، على مستوى الولاية والإقليم، أو على المستوى الوطني، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة للحصول على تمويل من إحدى المؤسسات الخيرية الخاصة أو الأوقاف المجتمعية، والتي يتخصص بعضها في تمويل البرامج الثقافية والفنية فقط.
إن الواقع الحالي لجمعيات "الإعلام" يفصح عن ظروف صعبة ومنتج لا يذكر، وتذمّر مملوس من جمهور الأعضاء، وهم بالمناسبة نخبة أساسية من "مبدعي بلادنا"، لذا فإنها مسؤولية وطنية، تقع على عاتق وزارة الثقافة والإعلام، وخصوصًا على وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، فطموح مبدعينا يتكسر حالياً على واقع مرّ وكئيب، من الممكن أن يتحسن ويتحول إلى عامل بناء لا معول هدم، فمتى نرى تحرّك الوزارة ووكالتها؟ هذا ما سوف تفصح عنه الأيام القادمة.