يهرب الكثير من الشباب العاطل من العمل في القطاع الخاص، لعدم قناعتهم بالقليل من الراتب.. يهربون كذلك من العمل اليدوي المهني لأسباب مادية واجتماعية (قبلية). تنتشر البطالة وتتدنى فرص العمل، مع أن المسؤولين في مكاتب العمل والغرف التجارية والموارد البشرية والصناديق وغيرها من الجهات ذات المسؤولية يعملون جاهدين بكل طاقاتهم وبكل إمكاناتهم لحل البطالة وإيجاد فرص عمل مناسبة للشباب الباحث عن العمل.. وأعظم ما يستحق الإشادة هو ما وجه به خادم الحرمين الشريفين من اعتماد 2000 ريال كحد أدنى لكل عاطل أو عاطلة سعودية.. تصرف لمدة عام كامل. وهذا دليل على اهتمام قيادتنا الرشيدة بمعاناة الشباب السعودي، فهناك إحساس جاد بمشكلة الشباب وتلمس حوائجهم وإدراك معاناتهم وحاجتهم الماسة لمثل هذه الإعانة، ولو للتخفيف عما يصرفه أهلهم لبحثهم عن الوظائف أو لحوائجهم الخاصة. والغريب أن هناك من يتفوه بكلام لاذع عن الشباب ويرميهم بخفايا ونوايا سيئة ويتهمهم بعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية وأنهم ليسوا أهلاً لها، ويتهمونهم بأنهم لا يبحثون عن عمل، فأين هم عن أسواق الخضار والأسماك والمغاسل والمطاعم والنظافة والحلاقة والفنادق؟ وقد سمعت بعض الموظفين يقولون لو كنا مكان هؤلاء الشباب العاطل لكنا اشتغلنا بمقابل 1000 ريال في الشهر وأقل من ذلك. وهذا غير صحيح.
كيف نشعر بمعاناة الشباب ونحن بالإضافة إلى هؤلاء الموظفين لم نعش واقعهم وندرس مشاكلهم عن قرب وبكل صدق، على أن نتمكن من حل بعض تلك المشاكل أو نخفف عنهم، أو حتى نشجعهم على المضي والصبر وتحمل المشاق في سبيل الوصول إلى حياة كريمة؟
كثير من هؤلاء الموظفين لا يكتفي بوظيفة واحدة بل يزاحم وينافس الشباب مدعياً خبرته وكفاءته وأولويته، ومثال ذلك المعلمون الذين يعملون في الجمعيات الخيرية وفي الإحصاء والتعداد السكاني وفي المجالس البلدية وفي مراقبة المساجد، وبعضهم يعملون مرشدين في الموارد البشرية، أو أئمة ومؤذنين في المساجد، أو أن يصبح أحدهم مأذون أنكحة .. وهناك المتقاعدون الذين يعودون للعمل في المؤسسات أو الشركات أو الأعمال الحرة كنقل الطلاب أو في بعض الأعمال الحكومية بحجة أنهم ذوو خبرة وانتظام، وأنهم أفضل في الأداء والإنجاز والسلوك والمواظبة من هؤلاء الشباب العاطلين.. فلماذا هؤلاء يا ترى يزاحمون الشباب العاطلين في بعض الفرص التي قد يتاح للشباب العمل فيها؟ بالتأكيد سيكون للشباب السبق والفوز والظفر بمثل تلك الأعمال التي تسند إليهم بدون أدنى شك منذ الوهلة الأولى.
لو أتى شاب يعمل في مطعم أو صالون حلاقة أو يعمل في سوق الخضار إلى موظف لخطبة ابنته فإن أول سؤال يواجهه هو: هل أنت موظف وظيفة حكومية أم لا؟ فإذا كان الجواب لا، فبعداً له، فالموظفون ينظرون إلى الشباب العاطل أو العامل في الأعمال الحرة البسيطة نظرة فيها قصور واحتقار وسخرية، ويرون أنهم عاجزون عن فتح بيت، وأنهم عاجزون عن تحمل تكاليف الحياة الزوجية، ويستحيل عليهم أن يكونوا أسرة.. وعندئذ يكيلون لهم بمكيالين، أحدهما: الاحتقار مع التنقص.. والآخر: اتهامهم بالعجز.. عند ذلك لا غرابة أن يحبط الشباب وتتبدد طموحاتهم وآمالهم المستقبلية، الأمر الذي يؤدي إلى إسراعهم في الهروب من واقعهم وعدم الجدية في التعامل مع ما يحيط بهم من مشاكل، وإعراضهم عن الاهتمام بقضايا الشأن العام، واستحالة صبرهم على ما يواجههم من تحديات.. وبعد سنوات يكون جيل الشباب محطما وممزقا كالأشلاء التي مزقتها السباع.