في سباق مع الزمن يقترب العاملون على إنجاز مسرح "ملحمة الأخدود"، التي ستكون فاتحة مهرجان" قس بن ساعدة الثقافي الأول"، الذي ينظمه أدبي نجران الأسبوع المقبل، من وضع التفاصيل النهائية على المسرح الذي تبلغ مساحاته 400 متر مربع.
وأطلق كاتب النص صالح زمانان اسم "شعب النار والجنة" على الملحمة التي اطلعت "الوطن" على بعض مراحل الإعداد لها، وذلك في جولة على موقع أداء العمل الفني الذي حُشد له أعداد كبيرة من فرق العمل، سواء المهندسون والفنيون الذين خددوا حفرة الأخدود الفنية، أو من خلال فريق العمل المسرحي المساعد، أو في عدد الممثلين الذين وصلوا إلى 130 ممثلا يتقدمهم نخبة من نجوم المسرح السعودي، أو في الجهات الكثيرة التي شاركت في أزياء وهندسة الصوت والإضاءة والديكور، وتأليف وتنفيذ موسيقى تصويرية خاصة بالملحمة.
وكان من اللافت أن جميع أزياء طاقم العمل من ممثلين رئيسيين وكومبارس قامت بتصميمها طالبات من "المعهد العالي التقني للبنات في نجران" بعد أن اقتنع القائمون على العمل بقدرتهن على تنفيذ ما يتناسب وحجم العمل وأهميته، كذلك تولى طلاب المعهد المهني بمنطقة نجران بناء مكونات المسرح كاملة، كأول مشاركة في عمل فني ضخم كهذا، يقوم على إخراجه مسرحيا سلطان الغامدي الذي أخرج أبرز الأعمال المسرحية في منطقة نجران. ومن مميزات هذا العمل أنه تم بناء مسرحه بناء على نص الكاتب ورؤية المخرج، فكانت الخشبة خطوة بعد الكتابة والرؤية الإخراجية، وربما يعتبر هذا "التكنيك" المسرحي نادر الحدوث في الأعمال المسرحية المحلية. وسيكون مشاهد العمل حاضرا مع أحداث حية لنيران وخيول وجمال وأفواج بشرية تلقى في فوهة الأخدود الذي يأخذ من المسرح 8 أمتار طويلة بعمق مترين ونصف، حيث قام مصممو المسرح بعمل أرضية حديدية متحركة تتحول فجأة إلى "أخدود النار" الجديد. وأحدث الإعلان عن المهرجان وتفاصيله وملحمته، حالة من الترقب والتفاعل اللافت من المثقفين والمبدعين السعوديين، وعلى مختلف المستويات، حيث ما زالت طلبات المشاركة ومحاولة الحصول على حجوزات طيران من أكثر ما يتم تداوله هنا، خصوصا بعد أن أبدى الكثير من المثقفين والمبدعين رغبات وصفت بـ"الملحة" في الحضور والمشاركة، وظهر ذلك التفاعل بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" الذي يحتوي على مجموعة للمهرجان، إلى جانب نقاشات كثيرة في "تويتر".
وأوضح مدير مهرجان قس بن ساعدة، صالح آل سدران، أن المهرجان "ممتلئ بالمفاجآت"، حيث قال "إن حفل الافتتاح مخالف لكل ما كانت المهرجانات تفعله في كل افتتاح، حيث يقوم مجموعة من الشباب المبدعين في المنطقة بتوليفة إبداعية حتى في أشكال التقديم والعروض، وفي مرافق المهرجان على طول أيام فعالياته الأربع، خصوصا بعد الدعم السخي من الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، أمير منطقة نجران، الذي كان مطلعا وداعما مباشرا وشريكا في أفكار العمل بوعيه الثقافي وروحه الشابة الجميلة".
من جهته وصف المستشار الثقافي للمهرجان، الكاتب إبراهيم طالع الألمعي، ملحمة الأخدود بأنها عمل يؤدى "بأعلى ممكناتنا وظروفنا الثقافية والاجتماعية، ثم يرتفع مستواه لأخذ مكانته عربيا وعالميا، وبذلك تكون ملحمة الأخدود نصا لم ينته بعد، بل هو نواة لملحمة عربية يمكن أن تؤدي بأدوات المسرح العالمي وآفاقه الأوسع التي تليق بالمكان" ، وأضاف " أولى الدلالات التي يوحي بها المهرجان هي نظرة شباب نجران الوطنية الواسعة على اعتبار (قس بن ساعدة) رمزا ثقافيا وقِيَمِيا وطنيا قوميا عربيا، وهي سمة من سمات المكان وأهله لمن سبر غورهم، ولذا ألبسوني حلّة شراكتهم في عملهم دون أن تزيد بضاعتي لهم على العشق". أما عن (ملحمة الأخدود)، فقال طالع "في اعتقادي أنها عمل ملحميّ مفتوح، بحيث يفتح النص المسرحي المجال للملحمية الحية لبنية المجتمع ذاته، أي أنه نصّ تكويني لا يقيد ذاته بالنصية اللفظية بمقدار ما يتيح لمجتمعه إعادة تكوينه وتشكيله حسب الزمان والمكان، والمخرج سيأخذ منه الحدّ الأعلى من الممكن الموازي للظروف المحيطة التي تحكم النصّ الحيّ (المجتمع)، فقد أخرجه بشكل راق، معتمدا على عبق المكان وما يملكه أهله من القيم الإنسانية، وما يملكه المخرج أيضا من القيم الفنّيّة المتّكئة على مكان وتاريخ وقيمٍ جمالية ورثها المئات ممن سيشاركون في العمل، بينما لو أخرجَ العمل في مكان آخر خارج ظروف وطننا المسرحية الحساسة، لأخذ أبعادا أخرى مختلفة، وهذه ميزة النص: استطاعة المخرج أن يجول داخله وينتقي لكل مكان منه مسرحَتَه.. ومن ميزاته أيضا أنه يفرض نوعا من المسرح الحديث، وهو ما يسمى (المسرح المفتوح) الذي لا تجغرفه الجُدُر، ليمثّلَ حياة موازية للحياة".