حجزت مؤخرا إلى لندن، على الخطوط البريطانية، وتلقائيا التزمت الخطوط بإرسال سيارة، وسائق لاستقبالي في المطار، واتصل بي موظف قبل السفر لتأكيد تلك الترتيبات، وسألته بكل عفوية، كيف هو الجو في لندن، فأجابني إنه لا يدري، لأنه في الهند!!!
هذه هي العولمة في أوضح صورها، وفي ظل ترابط الاتصالات، والمواصلات، فقد حدثت تغيرات هيكلية في أعمال الشركات، خصوصا في ظل ارتفاع تكاليف العمالة في الدول الصناعية، وأصبح ضروريا لها كي تبقى، أن ترسل الأعمال التي تتطلب الكثير من الجهد، مثل مطابقة الفواتير، ومقاصة تذاكر السفر، ووثائق أعمال الخزينة في البنوك، وكذلك خدمات العملاء، كلها انتقلت إلى دول أقل كلفة، وفي مقدمتها الهند، والتي يخدمها بجانب انخفاض كلفة العمالة إجادتهم للغة الإنجليزية، واستخدام الحاسب الآلي.
هنا في المملكة، وتاريخيا، فإن أيّ شركة مساهمة كانت تؤسس، كان من الطبيعي، والمتوقع أن يبين هيكلها التنظيمي وجود عدد من الأقسام، لكل من أعمال التسويق، والشؤون المالية، والشؤون الإدارية، والتشغيل والصيانة، والتخطيط، والمحاسبة، والمراجعة الداخلية، والشؤون القانونية، والعلاقات العامة، وشؤون الموظفين، وشؤون المساهمين. ولو قامت الشركة بكل ذلك لما لامها أحد، لأن ذلك هو الهيكل الإداري المتوقع، ولكن ذلك النموذج يمثل اليوم مصدر استنزاف مالي للشركات المساهمة.
النموذج الإداري الجديد يقوم على الاستفادة من الخدمات الموجودة خارج الشركة، وبصفة تعاقدات محددة المهام، ومحددة المدد، وذلك يسمى في علم الإدارة الحديث (Sourcing Out). وللإنصاف فهو قد لا يكون ممكنا لكل الخدمات، ولكنه صالح لبعض الخدمات بشكل كلّي، ولبعض الخدمات بشكل جزئي. فمن الخدمات التي يمكن التعاقد لتوفيرها كلّية من خارج الشركة هي: خدمات التسويق، والمراجعة الداخلية، والقانونية، والعلاقات العامة، أما شؤون المساهمين فقد أحيلت تلقائيا إلى نظام تداول لتسجيل الأسهم. وبالنسبة لباقي الأعمال، فيمكن الاستعانة باستشاريين متخصصين، حسب الحاجة.
كل ذلك سيؤدي إلى خفض عدد موظفي الشركة، ومن ثم تقلّ المشاكل الإدارية، وقضايا الموظفين، ويتحول دور الموظف بالشركة، من دور إطفاء الحرائق اليومية إلى دور المخطط الاستراتيجي، ومطوّر للأعمال، ومراقب، ومشرف، تاركا قضايا الإدارة التنفيذية اليومية للمختصين في ذلك.
هذا النموذج الإداري يجب ألا يخيف المساهمين، من حيث احتمال أن ذلك قد يوحي بانخفاض مستوى الرقابة المالية، والإدارية على أعمال الشركة، فأعمال الرقابة من قبل مجلس الإدارة، على الإدارة التنفيذية، يجب أن يكون موجودا، سواء كان عدد موظفي الشركة ألف موظف، أو عشرة موظفين، بل سأدعي أن هذا النموذج يسهل مهمة الرقابة والإشراف، لأن أغلب الأعمال ستكون وفق عقود محددة المهام، مما يسهل عملية مراقبتها.
لقد حان الوقت أن نفكر بإبداع، بعيدا عن التقليد، والنمطية، وأن نستفيد من أساليب الإدارة الحديثة.