لو أن السياسة مشت كما مشى العلم لارتاح الناس، ولكن بين السياسة والعلم مسافة نصف قطر مجرة الإندروميدا؟ هل تعلمون كم هي المسافة ؟؟ إنها مئة وخمسون ألف سنة ضوئية مقسمة لاثنين؟ هل تعلمون كم مقدار مسافة السنة الضوئية؟ إنها حاصل ضرب 300 ألف كلم في ستين ثم في ستين ثم في 24 ثم في 365 وهل تعلمون كم الناتج؟ إنها ستة ملايين مليون كلم؟ فإذا ضربنا ستة ملايين مليون كلم في 75000 كان حاصل الضرب المسافة بين السياسة والعلم؟؟ فهذا هو الفرق بين الحقلين.
ولأنني درست الطب فأعرف تماما مدلول الكلمات؟ وكلما حزبني أمر هرعت إلى المنهجية الطبية في تشخيص العلل ووصف المرض ووضع العلاج جراحة أو دواء.
إن الطب والكيمياء والفلك والأنثروبولوجيا والتاريخ والذرة والخلية كلها علوم حديثة دشنتها الحداثة، فأما البيولوجيا فعرفنا التشريح والفسيولوجيا، أي عرفنا مما تتكون العضويات، وعلاقتها ببعضها ووظائفها، وينطبق هذا على بدن الإنسان والقط والفيل والفراشة.
أما الكيمياء فكانت مسخرة للجن والسحر واستخلاص الذهب من المعادن الخسيسة، فعرفنا تركيب المواد وفهمنا التفاعلات، بل ووصلنا إلى قدرة استخلاص الذهب من خلال تغيير محتوى البروتونات، بعدما عرفنا أن الذرات تمشي مثل السلم الموسيقي، بزيادة بروتون واحد كل مرة.
وأما الفلك فكان يخضع للتنجيم والسحر، ونحن نعرف اليوم الانفجار العظيم وأن مجرتنا تضم مئة مليار نظام شمسي، وهي بدورها واحدة من مئة مليار مجرة في كون لا يكف عن الاتساع، وعرفنا عمر الأرض مقدرا بـ4.6 مليارات سنة، وعرفنا أن بدايات الحياة كانت قبل 3.8 مليارات سنة.
وأما الأنثروبولوجيا فقد عرفنا أن البشر الذين مروا على وجه الأرض كانوا أكثر من درزن من الأنواع هلك كلها وصمد للبقاء نوعنا العاقل.
وأما علوم الذرة فنحن نعرف الجزيئات دون الذرية من اللبتونات والكواركز، ونفهم من معادلة آينشتاين تقابل الطاقة والمادة كحقيقتين في الوجود المادي.
وأما التاريخ فعندنا المعلومات منذ نشأة أول حضارة واندلاع أول حرب موثقة بالصورة والزمن، وهي معلومات كان سيسر بها جدا ابن كثير وابن الأثير وابن خلدون.
ولكن السؤال الرائع هو كيف حصل أن تدفقت المعرفة بهذه الطريقة في مفاصل الجنس البشري؟ إن هذا يرجع لاختراع المنهج العلمي الذي ينص على سبع فقرات :
1 ـ ألا يفترض أي فرض لاضرورة له.
2 ـ ألا يقبل أي خبر أو بيان من غير تحقيقه.
3 ـ أن تختبر كل الأشياء بأشد قدرة مستطاعة.
4 ـ ألا يحتفظ بأي أسرار.
5 ـ ألا يحاول أحد أي احتكار.
6 ـ وأن يقدم الإنسان خير ما لديه في تواضع ووضوح.
7 ـ وألا يخدم أية غاية أخرى غير المعرفة.
فضع هذه الفقرات السبع من المثاني العلمية واحفظها ومررها إلى اللاوعي حتى تصبح من مركبات المنظومة الذهنية عند كل فرد.