حدث أن أكون شاهد "صدمة" لا عيان، هذا الأسبوع، على زواج من أعرفه من زوجة ثانية، برغم كون من أعرفه هذا، دخله يقع تحت خط مستوى الفقر بكثير، خاصة كونه لديه زوجة غير عاملة وثلاثة أطفال. كما وأعلم يقيناً بأنه بالكاد يكاد يدير حياته المعيشية، وذلك بفضل المساعدات الحكومية والأسرية من حوله. والصدمة الأكبر أنه وجد من أهل "الخير" الذين يسعون لإكثار أمة محمد، من يساعده على مهر الثانية وتكاليف الزواج البالغ "خمسة عشر ألف ريال" كما قيل لي. برغم أن المزواج الجديد، كان يتوسل لهم لمساعدات أخرى مهمة في حياته، وكانوا لا يستجيبون لتوسلاته!

عريس الفقر الجديد هذا، بدأ بأسبوع عسله، يبحث عن من يسدد له تكاليف بيته الجديد المعيشية، "الأكل والشرب بالتحديد" ناهيك عما سيحل به من فواتير لا طاقة له بسدادها؛ حيث فر من حوله كل "أهل الخير" الذين ساعدوه وورطوه بزواجه الجديد، وأقنعوه بأنه رجل ويحق له بالشرع أربع نساء. والغريب أنني سمعت أن من تزوج بها بنت، أي لم يسبق لها الزواج من قبل! وكما يقول المثل "الجاهل عدو نفسه" وهذا المثل يصدق على صاحبنا عريس الغفلة هذا. ولكن ما ذنب أطفاله الثلاثة الموجودين من زوجته الأولى، كما ما ذنب أطفاله الذين قد يأتون من زوجته الثانية؟

إذا كان عريس غفلتنا وأمثاله وأهل الخير الذين ورطوه، لا يستوعبون، من جهلهم، معنى مسؤولية تعدد الزوجات بالشرع؛ أفليس حري بالجهات الحكومية المعنية أن تتدخل وتسن قوانين وأنظمة محددة وواضحة، يجب أن تنطبق على الشخص الراغب في الزواج من ثانية، وإلا يرفض طلبه. حيث عاقبة مثل هذه الزواجات وخيمة على المجتمع كافة، عندما تتكدس شوارعنا بأطفال، لا عائل كفؤًا لهم ولا مربيًا عاقلا.

فعندما يتقدم مواطن، لطلب فيزة شغالة ثانية، فإنه يمر عبر إجراءات وتحقيقات صارمة، ليس أقلها بأن يثبت بأن دخله أكثر من عشرة آلاف ريال، وأن زوجته عاملة و... و.... وبعد التحقق من كل ذلك، بالكاد يمنح تأشيرة خدامة ثانية، والتي مرتبها فقط ثمانمئة ريال لا غير، ولن تنجب له أطفالا ولا من يحزنون. أو عندما يتقدم مواطن سعودي بطلب فسح زواج من الخارج، فهذا نظاماً يدخل في خانة شبه المستحيلات السبع، وقد يضطر المتقدم بدفع مبالغ كبيرة، يتخطى بعضها أكثر من خمسين ألف ريال، هذا بعد أن تنطبق عليه كل الشروط. وأنا مؤيد لكل هذه الإجراءات الصارمة، والتي ينتج عنها، حفظ حقوق الخادمات الأجنبيات والزوجات من جنسيات أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح، أين الشروط التي يجب أن تحمي وتحفظ حقوق الزوجة السعودية سواء الأولى أم الثانية، من مثل تعدد الزيجات المنفلت من دون قيد أو شرط هذا؟ هل هذا ناتج عن عدم اكتراث بحقوق المرأة السعودية وآدميتها؟ أم ماذا نسميه؟ هل أصبحت المرأة لدينا، سلعة رخيصة، ثمنها أقل من ثمن سيارة مستعملة، لا تتجاوز قيمتها الخمسة عشر ألف ريال، مستعد بأن يدفعها عداً ونقداً "أهل الخير" باسم محاربة العنوسة وإكثار أمة محمد؟! أم إن الخادمة والزوجة غير السعودية، لهن من يحمي ويرعى حقوقهن في بلدانهن، ولذلك فقد حظيت حقوقهن باهتمام ورعاية لدينا، أكثر من حقوق المرأة السعودية، المحاطة بالجهلة من ذويها ومتصيديها، ومجردة من أي شروط وقوانين رسمية تحمي حقوقها وتحافظ على آدميتها وترعاها.

قد يسأل سائل، ومن أرغم الزوجة الثانية على القبول بالزواج من رجل فقير وله زوجة وأطفال؟ والجواب هو الأسباب التي تضطرها لمثل هذه الزيجة كثيرة، حيث هي تعيش في مجتمع ذكوري، يخنقها بين أسوار ثقافته وأنظمته وقوانينه الذكورية. وقد ترى مضطرة، بأن طوق نجاتها، يكمن بأن ترزق من الزوج بطفل ذكر يبر بها ويحميها من عالم الذكورة من حولها. أو تريد من الزوج الثاني بأن يكون واجهتها أمام المجتمع الذي لا يعترف بها، بدون محرم. خاصة كونها ستنتقل من بيت فقر وجهل لبيت فقر وجهل آخر؛ فلا جديد بالنسبة لها.

إذاً فالزوجة الثانية التي قبلت بأن تكون "الضحية" كزوجة ثانية؛ لن تكترث أبداً بمصير الزوجة الأولى وبمشاعرها، والتي ستصبح ضحية هي الأخرى للضحية. فمجتمع الضحايا، لا يكترث أبداً بزيادة أعداد الضحايا فيه ومن حوله، إن لم نقل يبحث عنهم، ليخفف من وطأته ومعاناته عليه، من باب "ما فيه أحد أحسن من أحد". وفي مثل هذا المجتمع ستزداد الدسائس والمؤامرات وستزداد الخناقات والمشاكل ووتيرة العنف والعنف المضاد، والتي ستجعل منه بيئة غير صالحة أبداً لنمو الأطفال وتربيتهم فيه، التربية السليمة التي يتطلبها عصرنا المعقد والصعب الذي نعيشه.

المجتمعات المتحضرة تنظمها قوانين متمدنة تراعي طبيعة الإنسان فيها وتحافظ على حقوقه وسلامة تنشئته ورعايته؛ وذلك لإيمانها بأن أي طفل يولد فيها، هو مشروع اقتصادي وحضاري مستقبلي، قبل أي شيء آخر، ستنافس فيه المجتمعات الأخرى، ويصبح طوق نجاة إضافية لها. ولذلك فالأطفال الذين سيولدون من زيجات متعددة وفي بيئات فقيرة جداً، يسودها الشقاق والنزاعات والعنف والعنف المضاد، لن يكونوا غير مشاريع تدميرية وتخريبية، لأنفسهم ولمجتمعاتهم. فهم سيكونون نتاج تربية "أمهات" ضحايا ليتحولوا هم أنفسهم، لضحايا، تبحث لها عن ضحايا. فلن تقف أبداً متفرجة على فئات أكثر حظاً منها في المجتمع تتطور وتنمو بشكل طبيعي، وهم يصارعون أدنى درجات الفقر والعوز.

فالعدالة والرعاية الاجتماعية إما أن تكون لجميع فئات المجتمع، وإما لن تكون لأحد دون أحد. حيث أطفال الفئات الأكثر حظا في المجتمع، لن تعيش بمعزل عن باقي فئات مجتمعها، مهما حاولت أو سعت لذلك. فالسرقة والقتل بسبب السرقة، سيتعرض لها أطفال الفئات المحظوظة، لا الفئات المعدومة. ناهيك عن بيع المخدرات والإتجار بها، والتي غالباً ما سيكون هدفها من يحملون الكاش في جيوبهم، وسيقوم بها من غاب الكاش عن جيوبهم. ناهيك عن تفشي الدعارة ووسائل الكسب الرخيص في المجتمع، والتي ستساعد على انتشار الأمراض والكوارث وتسللها لأجساد وأخلاق أطفال، ومن الممكن بيوت الأكثر حظاً في المجتمع.

إذاً فعندما يفتح المجال على مصراعيه لمثل الرجل الفقير الذي تحدثت عنه في بداية المقال، والذي بالكاد يحصل على قوت يومه وأطفاله، بالزواج من ثانية، أكثر منه فقراً وعوزاً وحاجة، فهذه بوادر نذر خطيرة قد تطبق على المجتمع مستقبلاً؛ إذا لم يتدخل العقلاء ويضبطون عملية تعدد الزوجات، ليس فقط بدافع حفظ حقوق وكرامة المرأة السعودية، أسوة بالشغالة والزوجة الأجنبية، وهذا لوحده كفيل بفعله، ولكن حتى للاطمئنان على سلامة مستقبل المجتمع بشكل عام ذكوره وإناثه.

المسألة ممكن تداركها الآن، وإن لم نفعل ذلك، فستستفحل وتخرج عن نطاق السيطرة. وذلك بتكليف أقسام تابعة لكل إمارة منطقة ومحافظة، لتنظيم عملية الزواج من ثانية وتضبطها، بشروط معقولة، ولو كانت أقل صرامة من شروط الشغالة الثانية أو الزواج من غير السعودية. ولا يستطيع أي مأذون أنكحة عقد زواج من زوجة ثانية، بدون ترخيص منها، وإلا تعرض لعقاب رادع هو وشاهدي عقد النكاح.

هذا إذا أردنا فعلاً، بأن تحظى برامج التنمية لدينا، بنسبة من النجاح، ولو أدنى ممّا نأمله منها. حيث نستطيع صرف المعونات المعيشية والتعليمية والسكنية للعائلات الفقيرة، والتي تنتج من زوج وزوجة واحدة. وإلا ففي المستقبل، ومع ترك حبل الزواج من ثانية وثالثة على الغارب، فلن يكفي فائض ميزانيتنا آنذاك، للصرف على الدوريات الأمنية وحراسة الأحياء الغنية في المدن، والسجون ومكافحة الجريمة، هذا في حال لم يجيشوا ضدنا من طرف عدو داخلي أو خارجي.