ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً هاماً أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية (إيباك) في الرابع من مارس الحالي أعلن فيه عن التزام إدارته الكامل بإستراتيجية "المنع" لدى التعامل مع الملف النووي الإيراني، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية. كما تناول الرئيس أوباما في خطابه عدداً من المواضيع الرئيسية، أشار إليها تقرير أعده المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، ضمن تحليل للرسائل التي أراد الرئيس أوباما أن يبعثها بين سطور خطابه.

المواضيع الرئيسية

يقول تقرير معهد واشنطن أن العناصر الرئيسية في خطاب الرئيس أوباما حول إيران تمثلت فيما يلي:

• التأكيد على أنه يؤمن بمشروعية تخوُّف إسرائيل من التداعيات المحتملة لتسلح إيران نووياً وحق إسرائيل في اتخاذ إجراء ضد هذا التهديد إذا ارتأت أن ذلك الإجراء ضرورياً.

• تفنيد الحُجة القائلة بأن مصلحة أميركا في منع إيران من السعي للحصول على سلاح نووي إنما تأتي فقط كاستجابة لمناشدات خاصة من أجل إسرائيل، وأحصى أسباباً عديدة تضع مصالح أميركية حيوية على المحك. فقد قال الرئيس الأميركي مثلاً "إيران المسلحة نووياً سوف تقوض تماماً نظام حظر الانتشار الذي بذلنا الكثير لبنائه".

• دفاع الرئيس أوباما الكامل عن منهج إدارته في التعامل مع إيران منذ توليه المنصب.

• الإقرار بأن تشديد العقوبات هو ليس النهاية في حد ذاته، لكنه وسيلة فقط لتحقيق الغاية وهي منع امتلاك إيران لأسلحة نووية.

• الإعلان بأن إدارته ملتزمة بسياسة المنع (أي منع إيران من اكتساب سلاح نووي) وليس الاحتواء (أي الحد من قدرة إيران على استخدام السلاح النووي، بمجرد الحصول عليه، كأداة للسياسة الخارجية).

• تكرارات عديدة حول الموضوع تشير إلى أن الرئيس أوباما مستعد، في أقصى الظروف، إلى استخدام القوة ضد إيران لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة:

القراءة بين السطور

كانت هناك جوانب محددة هامة بشأن السياسة تجاه إيران على نفس القدر من الأهمية لما قاله الرئيس أوباما ولكنه لم يتناولها، لاسيما بالنظر إلى الإعداد الإعلامي المحموم لخطابه. فعلى الجانب الإيجابي، كان الشيء الأكثر أهمية الذي لم يتحدث عنه هو عدم تصريحه بأي من الحجج المعارضة لاستخدام القوة العسكرية والتي ذكرها بعض الهامسين من داخل إدارته للصحفيين خلال الأسابيع الأخيرة، وهي أن إيران يمكنها الانتقام باستخدام أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة، وأن الانتعاش الاقتصادي العالمي و/أو الداخلي قد يواجه تهديداً من جراء ارتفاع أسعار النفط نتيجة النزاع، أو أن إيران قد ترد على الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة باستهداف القوات الأميركية في أفغانستان. إن هذه التصريحات - بما في ذلك تلك التي أدلى بها الرئيس أوباما نفسه في بعض الأحيان - كان لها تأثير مقوِّض على القوة الدافعة الإجمالية للإستراتيجية الأميركية.

وعلى الجانب السلبي، من المهم أن نذكر أن الرئيس أوباما لم يستغل الفرصة لإصلاح الضرر الناجم عن تصريحات مسؤولين كبار في إدارته والتي يستخفون فيها من قدرة إسرائيل على شن عمليات عسكرية فعالة ضد إيران. وبتكرار قوله إن إدارته ملتزمة بمنع حصول إيران على سلاح نووي - مع امتناعه مطلقاً عن ذكر إمكانياتها لبناء سلاح نووي - فإن أوباما يكون بذلك قد أنهى النقاش بوضوح حول الهدف الفعلي للسياسة الأميركية، لصالح التعريف الأكثر ضيقاً بشأن ما تحاول واشنطن منعه بالفعل (أي الأسلحة، وليس القدرات الأوسع نطاقاً لصنع سلاح نووي).

وأضاف تقرير معهد واشنطن أن هناك أمراً آخر جدير بالملاحظة وهو غياب أي رسالة موجَّهة إلى شعب إيران. لقد كانت تلك فرصة ضائعة. ففي الوقت الذي تعتمد فيه الإدارة - وإن كان جزئياً - على تأثير العقوبات لإرغام قادة إيران على تغيير مسارهم؛ وفي الوقت الذي ينتقد فيه المسؤولون الأميركيون بقسوة العسكرة المتزايدة للنظام الإيراني؛ وفي الوقت الذي أكملت فيه إيران لتوها الانتخابات البرلمانية التي لم يسمح فيها سوى لتيارات مختلفة من المحافظين بالترشح؛ كان يمكن أن تكون تلك لحظة مفيدة لكي يؤكد فيها أوباما على أمل أميركا بأن يتمتع شعب إيران عما قريب بـ "الحقوق العالمية" التي يشيد بها بشكل متكرر في البلدان العربية التي تشهد تحولاً. إن المرء ليأمل بأن تلك الثغرة لم تكن نتاج الفكرة الشائعة - ولكنها خاطئة بشكل كبير - بأن التواصل مع الشعب الإيراني يُعقِّد الدبلوماسية النووية مع النظام.

وربما يكون الأمر الأكثر أهمية أن الرئيس أوباما لم يذكر مطلقاً أي خطوط حمراء أو إطارات زمنية أو مُسببات لإجراء عسكري محتمل، وتجاوز فعلياً مسألة "منطقة الحصانة" التي ربما تدفع إسرائيل نحو عمل عسكري عاجلاً وليس آجلاً. إن تداعيات ملاحظات أوباما تتمثل في أنه من الجوهري معرفة ما إذا كانت سلسلة العقوبات الوشيكة - والتي تشمل تعليق إيران من نظام التخليص المصرفي الدولي لـ "منظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية المالية العالمية بين البنوك (سويفت)" والحظر الأميركي على التعامل مع "البنك المركزي الإيراني" والحظر الأوروبي على واردات النفط - سوف تشكل ضغطاً كافياً على حُكام إيران لتغيير مسارهم حول المسألة النووية. إن الأمر الواضح هو أن التأثير التراكمي لتلك الإجراءات لن يُشعَر به إلا بعد التاريخ الذي قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ذات مرة إن إسرائيل لن تتمكن بعده من شن عملياتها الخاصة ضد المنشآت النووية الإيرانية.