بعد طول انتظار دام أكثر من حوالي السنتين من النقاشات والاجتماعات خرجت لائحة الأندية الأدبية أقل بكثير من المأمول؛ فالبنود التي تم النقاش حولها والملاحظات المتكررة التي رفعت إلى وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بوكالتها الثقافية لم تؤخذ بعين الاعتبار حتى خرجت اللائحة غير بعيدة كثيرا عن لائحتها القديمة؛ لكن بصياغة أكثر عمومية وكأن النقاشات والملاحظات التي جرت لم تكن إلا ذرا للرماد في عيون المثقفين السعوديين الذين يعون البعد الثقافي وإشكالياته داخل الميدان؛ وهنا فعلا كان من حق المثقفين والأدباء الذين اجتمعوا طيلة السنتين الأخيرتين أن يتساءلوا عن جدوى اجتماعاتهم وملاحظاتهم وعن أسباب هذا الاختلاف الذي خرجت به الوزارة عن ما طرح سابقا.
يبدو أن وزارة الثقافة تكاد تعمل مفصولة عن أي تراكم ومنجز ثقافي لها عن سنوات مضت؛ وليس لها أي صلة عن ما تم العمل عليه طيلة أربع سنوات مضت على الأقل ظاهريا؛ إذ نرى أن كل العمل السابق ليس له أي علاقة بالمرحلة الحالية؛ والقرارات الصادرة هي قرارات متعجلة يتم التراجع عنها فيما بعد، والدليل أن اللائحة حتى الآن لم تفعل رغم صدورها في الصحف من حوالي الشهر أو أكثر، ولم تصل حتى الآن إلى مجالس الأندية الأدبية لتفعيلها، وذلك لكثرة الاعتراضات من قبل المثقفين عليها ولهم الحق في ذلك.
لقد كانت من أهم النقاط التي عملت عليها الوزارة في مرحلتها السابقة هي صياغة اللائحة بشكل دقيق جدا وخاصة في مسألة انتخابات مجالس الإدارة؛ رغم حديث الدكتور عبدالله الغذامي عن عدم رغبة الوزارة في الانتخابات في حلقة البيان التالي التي ظهر فيها. وكلنا نعرف عن قرب مدى ما تحمّله الدكتور عبدالعزيز السبيل من أجل خروج اللائحة بالشكل الذي يرضي المثقفين من غير خسران منجزات المرحلة السابقة حتى قدم استقالته حينما وصل الطريق إلى مكان مسدود، لكن يبدو أن الوزارة حاليا لا علاقة لها بعمل أربع سنوات مضت؛ وتريد التأسيس من جديد لأشياء سبق أن تمت المناقشة حولها والنظر فيها والعمل عليها مما يعني إعادة المنجز الثقافي إلى مرحلة بدايات العمل وإعادة تدويره، وهذا فيه نوع من التشتت الإداري لدى المسؤولين في القطاع الثقافي داخل الوزارة؛ وإلا ما معنى بعض القرارات التي خرجت قبل فترة وتم التراجع عنها أو تأجيل العمل فيها حتى إشعار آخر؟ ومنها تأجيل العمل في اللائحة رغم إعلان صدورها..؟!
وبما أنه تم تأجيل العمل في اللائحة إلى وقت غير بعيد؛ فيحق لنا إعادة النقاش فيها وطرح بعض التساؤلات حولها، كما طرحها بعض المثقفين الذين اعترضوا على اللائحة بصيغتها الحالية لعلمهم بعدم تطابقها وصياغتها السابقة، ولعل أهم نقطتين تم طرح التساؤل حولهما هما: عضوية اللجان العمومية، ووجود المرأة في انتخابات مجالس الأندية. ورغم عمومية صياغة اللائحة إلا أنها لم تكن دقيقة جدا في صياغة هذين البندين إذ لا نعرف عن وضع المرأة داخل مجالس الأندية؛ وهل سوف يشملها الانتخاب أم إن ذلك راجع إلى المجالس العمومية، وبرغم فرح بعض المثقفات بعدم تمييز اللائحة بين مثقف أو مثقفة إلا أن ذلك ليس بذلك الوضوح الذي فرحت به مثقفاتنا، ذلك أن اللائحة خاضعة لتأويلات وتفسيرات مجالس الأندية وأعضاء اللجان العمومية، إذ يمكن تفسيرها بقبول دخول المرأة بحكم أن اللائحة لم تحدد نوعية العضو وجنسه، كما أنه من جهة أخرى تجاهل دخول المرأة بحكم أن اللائحة لم تنص على دخولها، فهي صياغة ذات حدين خاضعة للتأويل حسب من يتصدى لذلك من داخل مجالس الأندية أو اللجان العمومية وحسب الذهنية العامة التي تسير وضع المجتمع، وما كان ضر الوزارة لو أنها أكدت على حضور المرأة في مجالس الأندية أو عضوية اللجان العمومية بإضافة عضو/ عضوة، وعدم ترك ذلك للتفسيرات الطويلة والعريضة والنقاشات التي يمكن أن تؤجل دخول المرأة أو انتخابها في مجالس الأندية.
هذا من جهة عضوية المرأة في مجالس الأندية الأدبية؛ أما من جهة عضوية لجان العموم فإنها هي الأخرى كانت عامة وأكثر مما يجب، كونها اعتمدت على شرطين، الأول أن يكون سعودي الجنسية، وهنا أتساءل عن المثقفين غير السعوديين الذين خدموا الثقافة السعودية أكثر من أبنائها أو الذين ولدوا في هذه البلاد ولا يعرفون سوى هذه الثقافة لكنهم لم يحصلوا على الجنسية، هل ستتجاهلهم الأندية بهذا الشرط الوزاري؟ أما الشرط الثاني، فهو اختياري بين جزأين: إما أن يكون حاصلا على مؤهل علمي يحدد مستواه مجلس الإدارة أو أن يكون قد أصدر كتابا أدبيا مطبوعا، وعلى مقبولية هذين الشرطين من الوهلة الأولى إلا أنه من العمومية بمكان بحيث يفتح المجال أكثر بكثير مما يحدده ولا أقول يغلقه، وهو خاضع للتفسير أيضا، فمجتمع تكثر فيه درجة الماجستير أو الدكتوراه ليس كمجتمع يحمل أبناؤه درجة البكالوريوس، وهذا خاضع لتضييق التام من ناحية اشتراط مؤهلات عليا أو فتح عام من ناحية اشتراط مؤهلات أقل، إذ نعلم أن الكثير من أبناء مجتمعات الأطراف يحملون مؤهلات البكالوريوس حتى لمن لا علاقة له بالأدب والثقافة لا من قريب ولا من بعيد؛ وبهذا الشرط يحق له الانضمام لمجالس الأندية، أما الشرط الثاني، فهو خاض للتفسير أيضا كون معظم المثقفين لم يصدروا كتابا أدبيا، ولم يجمعوا نتاجهم الأدبي حتى الآن رغم نشرهم لبعض منتوجهم الأدبي في الصحف أو مشاركاتهم المنبرية هنا أو هناك، فهل ستتجاهلهم الأندية بهذا الشرط الوزاري أيضا؟ وماذا عمّن أصدر كتبا يعتبرها أصحابها من قبيل الثقافة بمفهوم الثقافة الواسع رغم أنها لا تتصل بالأدب ككتب تطوير الذات من قبيل كيف تتعامل مع أصدقائك؟ أو الكتيبات التوجيهية والوعظية مثلا؛ فهل نعتبرها من المنتوج الأدبي؟ على الوزارة أن تكون أكثر تحديدا في صياغة هذين الشرطين حتى لا تخضع لتفسيرات عديدة تؤجل مشاركة أبناء المنطقة من المثقفين أو تفتح المجال على مصراعيه لكل من هب ودب من حاملي المؤهلات العلمية العادية؛ والذين لم يقرؤوا كتابا أدبيا واحدا في حياتهم، ويريدون الانضمام هنا ليعيدوا ترتيب أوراق الحراك الثقافي في المناطق من خلال الأندية الأدبية.
على الوزارة أن تكون أكثر تحديدا في صياغة أهدافها من خلال لائحتها التي صدرت أو التي في صدد الإعداد كونها تتعامل مع أكثر أبناء المجتمع وعيا أو هكذا يفترض أن يكونوا وهم المثقفون والذين يمكن لهم أن يحركوا ماء الثقافة الراكد من سنوات طويلة؛ فيما لو خرجت الوزارة عن بعض تحفظاتها، وكانت أكثر دقة في صياغة أهدافها الثقافية.