الأرقام ذات دلالة قوية ومن أصدق المعلومات التي يقنع بها الأشخاص، الكتابة عن السعودة والبطالة والأجانب يكتنفها غموض في المعلومة، فتتجنب ذلك إلى غيره من المواضيع إلى أن تتوفر المعلومة الرسمية التي تستند عليها.
وزارة العمل بدأت تقدم وتنشر التقارير والأرقام عن سوق العمل السعودي، الموقع الإلكتروني للوزارة يتيح للقراء معلومات إحصائية عن سوق العمل.
أرقام تحتاج إلى وقفة وتأمل وتحليل، أحد الجداول الإحصائية التي نشرتها الوزارة توضح عدد العاملين في منشآت القطاع الخاص, يعمل في القطاع الخاص ستة ملايين ومئتين ألف أجنبي مقابل ستمئة وثمانين ألف سعودي، وهذا ليس موضوعنا لأننا كتبنا عنه مرات كثيرة.
ما أثار الانتباه هو الأنشطة الاقتصادية التي يتواجد فيها السعودي! والأنشطة التي يسيطر عليها الأجنبي! الجدول حدد 9 أنشطة وعدد السعوديين والأجانب في كل نشاط...الزراعية، الغابات،الصيد، المناجم، استخراج البترول والغاز، المحاجر، الصناعات التحويلية، الكهرباء، المياه، البناء، تجارة الجملة والتجزئة، النقل والتخزين، المال والتأمين ... إلى آخر الأنشطة. سننظر في ثلاثة أنشطة فقط للمقارنة! العاملون في المناجم وصناعة النفط والغاز من (السعوديين) تصل نسبتهم إلى 58% مقارنة بالأجانب وهذا رقم جيد في مثل هذه الصناعة. ولكن في المقابل لا يعمل في نشاط المال والتأمين وخدمات الأعمال إلا 30% من السعوديين, ثم ينهار هذا الرقم ليصل عدد السعوديين إلى 11% في نشاط الصناعات التحويلية! والسؤال هل خدمات المال والتأمين والأعمال والصناعات التحويلية أعقد من نشاط البترول والغاز؟
هذه الأمثلة تكشف بشكل جوهري أحد العوامل في مشكلة "توظيف السعودي"، وهو تقصير شركات القطاع الخاص في تدريب وتأهيل السعودي، وكما ذكرت في مقالات كثيرة أن الموارد البشرية في العالم تقوم على ثلاثة محاور : التعليم وهو دور الجامعات، والتأهيل والتدريب وهو دور القطاع الخاص. علماء ومراجع إدارة الموارد البشرية يوضحون أنه مهما بلغ مستوى النظام التعليمي في أي بلد فإنه لن يخدم ولن يخرج طالبا يصلح للعمل من أول يوم ما لم تكتمل منظومة التأهيل والتدريب، وهما عنصران مهملان في القطاع الخاص ولا ترغب الشركات والمؤسسات الصرف على تلك البرامج وعلى طالبي العمل. نجح السعوديون ونافسوا الأجانب في صناعة البترول والغاز لأن الشركات التي تعمل في هذا النشاط تعرف وتعي مسؤوليتها تجاه الموارد البشرية وعرفت كفاءة السعودي وصرفت عليه فنجح في أعقد صناعة, أما القطاعات الأخرى فليس لديها رغبة ولا يوجد نظام يلزمها بالصرف على التأهيل والتدريب فكانت النتيجة أن 90% من العمالة لديها هم أجانب وأصبح طالب العمل السعودي "حمال أسية" ذنبه أن تلك الشركات لا تمارس مسؤوليتها وتصرف عليه! إعادة جذرية لهيكلة الموارد البشرية ومسؤولية الشركات ومراقبة التنفيذ مطلوب لأن السعودي ناجح ومميز متى ما أعطيت له الفرصة والأرقام أصدق أنباء من أي معلومة أخرى.