عُرفت أيقونة الصحافة الأمريكية (هيلين توماس) بجرأتها في طرح الأسئلة الموجهة كسهام نافذة إلى قلب الحدث، وفي العمق المثير للجدل والمعري للمسكوت عنه في السياسة الأمريكية! أختلف مع زميلي الدكتور علي الموسى فلم يكن تصريحها في يوم التراث اليهودي، والذي دعت فيه الإسرائليين للخروج من فلسطين والعودة من حيث جاؤوا، وليدا ليقظة ضمير مفاجئة انفلتت من عقالها في غفلة عن إمكانية تسرب التصريح للملأ! فقد كانت لها مواقف شجاعة خرجت فيها برأيها الصريح ليس فقط ضد إسرائيل ودعما للفلسطينين ومشروعية المقاومة، ولكن في قضية الحرب الأمريكية على الإرهاب، وكذب المزاعم الأمريكية عن مسوغات حرب العراق! تصريحات هيلين المدوية والصريحة نقلتها إلى الصف الأخير بغرفة الأخبار في البيت الأبيض في عهد بوش الابن بعد أن كانت تقتعد الكرسي الأول، فالمسؤولون لم يحبوا أسئلتها كما تقول! صرحت هيلين أيضا بعالي الصوت أمام مركز الحوار العربي في عهد بوش بأنها تغطي أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا، كونه أدخل العالم في حروب مستديمة! وفيما يتعلق بموضوع محاولة الإسرائليين التجسس على أمريكا علقت بسخرية: إنهم موجودن هنا في كل مكان، فما حاجتهم للتجسس؟! كما صرحت هيلين لصحيفة The Hill متهكمة بأنها ستقتل نفسها إذا ما رشح ديك تشيني نفسه للرئاسة؛ آخر ما نحتاجه هو كاذب جديد! في 18 يوليو 2006 فجرت هيلين قنبلة عندما سألت في موجز أخبار للبيت الأبيض: أمريكا ليست عاجزة ولها سلطة على إسرائيل، فلماذا لا توقف قصف لبنان؟ نحن نعاقب لبنان وفلسطين عقابا جماعيا! مما جعل (توني سنو) المتحدث الرسمي للبيت الأبيض يصف تصريحاتها بالانحياز لحزب الله، وصنفت ملاحظاتها على أنها ضد إسرائيل وتقريع صريح لها! وقبلها في عهد الرئيس كلينتون ردت على عبارة المتحدث الرسمي للبيت الأبيض عن تسليح الإرهابيين في الشرق الأوسط قائلة: من أين تحصل إسرائيل على أسلحتها؟ وعندما أجابها هناك فرق فلا يصح استهداف الأبرياء عبر الإرهاب قاطعته هيلين قائلة: الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم. أما في يوم تنصيب أوباما فلم تستطع هيلين أيضا كبح جماح أسئلتها، فقذفت في وجهه بسؤال ظل حائرا دون إجابة منه: عما إذا كانت هناك دولة في الشرق الأوسط تمتلك سلاحا نوويا؟ في إلماحة صريحة للسلاح النووي الإسرائيلي! ظلت هيلين توماس التي سميت (بوذا البيت الأبيض) تغطي أخبار رؤساء أمريكا لستة عقود لتسقط ورقة التوت عن عوار الحرية الأمريكية عندما اضطرت للاستقالة على خلفية ملاحظاتها اللاذعة والصريحة ضد إسرائيل وشرعيتها!
هيلين توماس -التي انحازت دوما للإنسان وأحبت الصحافة لعشقها للبحث عن الحقيقة - أنهت حياتها المهنية بشرف وشجاعة كما عاشتها، لتحشد صوت الفعاليات الاجتماعية الأمريكية معها، فالاستفتاء الذي وضعته الواشنطن بوست أوضح أن 81 % من الأصوات كانوا ضد خروجها من البيت الأبيض، بينما 18 % فقط أيدوا خروجها! أما مزاعم إسرائيل في حقها بأرض فلسطين وبكائياتها على شتاتها والظلم الواقع عليها فليست جديدة، ولم تولد نتيجة لتصريحات سيدة الصحافة الأمريكية!