كان ما كان وانقسمت أو تقسمت يوغسلافيا إلى دول أو دويلات ماضية الآن في طريقها نحو التقدم. ورغم المجازر العرقية وغير العرقية التي شهدها أكثر من إقليم، ورغم استمرار المحاكمات حتى الآن، تمضي الأمور بخطى ديمقراطية حقيقية وليس على الطريقة الأفغانية أو الصومالية أو حتى العراقية.. ومن الواضح أن قادة هذه الدول يدركون تماما أنهم جاءوا على أشلاء ضحايا الحروب أو بفعل أصوات وحناجر المتظاهرين الذين تناثرت دماؤهم على الأرصفة وفي جميع الميادين. ولأن ذلك كذلك، فإنهم يراجعون أنفسهم ألف مرة قبل النظر لأموال الشعب.
وعلى الجانب الآخر، لم تفرز الحروب والأزمات المماثلة عندنا في الشرق الأوسط وفي أفغانستان سوى المزيد من الفساد، المتمثل في الفضائح المالية الكبرى التي يشترك في بطولتها الساسة وأبناؤهم وأصهارهم وكأنهم تعاقدوا على امتصاص دماء الشعوب.
في أفغانستان تتواصل سرقات العقود الأمريكية والأوروبية، ولا مانع أيضا من سرقة أموال المواطنين المتجهين للحج، وفي الصومال تستمر سرقة مساعدات الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي، وفي العراق كانت السرقات الكبرى في عقود كل الوزارات بما فيها العقود المسروقة في وزارة الدفاع والتي وصفها علاوي بأنها الأكبر في تاريخ السرقات في العالم.
لقد باتت سرقة العقود عنوانا شبه ثابت في دول هي أحوج ما تكون لكل قرش للإنفاق على الشعب أو معالجته من إصابات الحروب.
وعلى الطرف الآخر في سلوفينيا التي استقلت عام 1991عقب انهيار يوغسلافيا وقف رئيس الوزراء بوروت باهور يقسم أمام مجموعة من الطلاب الجامعيين بأن راتبه لا يتجاوز 3002 يورو لا تكفي للعيش الكريم، ومن ثم فإنه يضطر الي الإنفاق من مدخراته الخاصة التي جمعها طوال سنوات عمله قبل المنصب.. دولة يرأس حكومتها باهور تستطيع أن تعيش وأن تتقدم في كل الميادين، ودولة يمتص ساستها عقود البناء والغذاء والدواء، ستبقى فقيرة ضعيفة، وإن تحررت، وإن بدت كأنها تحررت.