منذ أن تولد الفتاة يرسخ في لا وعيها بأنها تابع ورديف لا تحسن الفعل والتصرف، فضلا على أن عواطفها هي الحاكمة بأمرها والمسيرة لها، وهي سريعة التأثر والانفعال والانجراف وراء مشاعرها لا تستطيع تحكيما للعقل أو للمنطق! في تجاهل تام ومطبق للآيات القرآنية والنصوص التأسيسية التي تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والتكاليف والعقاب والثواب! ودون شك هذه المفاهيم تستلبها أول ما تستلبها الثقة في نفسها وقدراتها وحسن تصرفها، لتحولها إلى إنسانة سلبية لا تستطيع التصرف إذا ما وضعت في موقف يستدعي الحسم والعزم وتتلفت دوما حولها بحثا عن العون والمساعدة! وبينما تحقن بمفردات هذا الخطاب المكرس لضعفها وسلبيتها، يتوقع منها الإيجابية والقوة في تناقض وإزدواجية لا يمكن معهما استقامة الحالين معا، فكيف تكون ضعيفة وعاطفية ومشاعرها هي المتحكمة بها، ثم تطالب بالإيجابية وحسن التصرف ومكابدة شؤون الحياة بقوة مفتقدة أصلا في تكوينها كما يزعمون؟! وهذه المرأة الضعيفة المستلبة يفترض فيها أيضا المنعة والصلابة والصمود إذا ما تعرضت لتعد أو تحرش من الرجل، في تناقض صارخ بين ما يحقن به وعيها وبين ما يفترض أن تنهض به من مهام! وفي افتئات على كمال صنع الله في المرأة/ الإنسان، فهو الذي خلق الإنسان بجنسيه الذكر والأنثى في أحسن تقويم وميزه بالعقل والاختيار ووكله بعمارة الأرض وحمل الأمانة والمسؤولية التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها! والمشكلة أن الانتقاص من قدرة المرأة على التصرف والفعل يعطل المجتمع برمته، لينقسم إلى طبقتين.. طبقة عليا تفعل وتتصرف، وطبقة سفلى تتلقى فقط الخدمات والعطايا!! والمفارقة أن الرجال لا يفتأون يشتكون من سطحية المرأة وتفاهتها واهتماماتها المنحصرة في التنافس بالأزياء والحفلات وخلافه، بينما عزل المرأة بعيدا عن الشأن العام والمشاركة الاجتماعية يسطح وعيها ويجعله مرتهنا لما تصب فيه وسائل الإعلام بروافدها المختلفة، ويعرض معارفها وخبراتها -إذا كانت متعلمة ولا تعمل - للتآكل والجمود كونها لا تحتك بالمجتمع ولا تمارس خبرة عملية، بينما تساهم القيم الاجتماعية السائدة في تكريس دونيتها لتجعلها تدور في أفلاك الاستهلاك كنوع من التعويض!
تتأرجح المرأة أيضا بين ثنائيتي التأثيم والتقديس، فهي تارة شيطان وفتنة وشر مستطير يستدعي أخذ كافة أنواع الحيطة والحذر، وهي أخرى أيقونة الفضائل وأمثولة القيم فهي الأم التي تتربع الجنة تحت أقدامها! ولا أدري كيف يحل الضمير الجمعي هذه المعادلة الصعبة بين المرأة المؤثمة والمقدسة.. فهذه المرأة الموصوفة بالشيطان والفتنة هي ذاتها الأم المحاطة بهالة القداسة والتبجيل؟! وألا تفسر لنا هذه الثنائيات المتناقضة الكثير من الارتباك والخلل في علاقة المرأة بذاتها أولا، وعلاقة الرجل والمجتمع عامة بها؟!
تفكيك دونية المرأة وتشييئها هو الخطوة الأولى في طريق التنمية، فتقدم المجتمعات يقاس بتقدم المرأة فيها فهي التي تعكس أنساقه الثقافية والاجتماعية!
وصدق جبران خليل جبران حين قال: وجه أمي هو وجه أمتي!