قبل حوالي ستة أشهر فرضت الحكومة الأمريكية غرامات مالية كبيرة على كل شركة طيران تؤخر إقلاع رحلاتها. وسبق لوزير النقل الأمريكي (راي لاهود) أن أشار إلى أنّ "كل الركاب أصحاب حق وهذا القانون من شأنه أن يجبر شركات الطيران على حسن معاملة زبائنها"، ويلزم القانون كل شركة تتأخر رحلتها أكثر من 3 ساعات أن تدفع للراكب الواحد سبعة وعشرين ألفاً وخمسمئة دولار أمريكي.
أما بالنسبة لنا هنا، فكثير من الرحلات الداخلية تتأخر وتلغى دون أي اكتراث مع الأسف، فقبل أسبوعين تقريباً، تأخرت رحلة الخطوط السعودية رقم1481، وللحق فإنها لم تتأخر كثيراً، إذ لم يتجاوز ذلك نصف ساعة، ولما تأهبت الطائرة للإقلاع تحدث الكابتن للركاب معتذراً عن التأخير الذي حدث بسبب عطل فني، مؤكداً أنه سوف يحاول سلوك أسهل الطرق إلى محطة الوصول، وكان هذا الكلام مريحاً للغاية، فعلى الأقل يشعر الراكب أن هناك اهتماماً من قبل "الخطوط السعودية" بعملائها. وفي اليوم التالي كنت على موعد آخر مع التأخير ، حيث كنت حاجزاً على رحلة السعودية رقم 1332، ومع اقتراب موعد الرحلة كنت كل لحظة وأخرى أطالع الشاشة الداخلية في صالة المغادرة، لأجد أن الرحلة ستكون في موعدها (on time) وكنت أقول في نفسي "أفلحوا إن صدقوا"! فالوقت يداهم الركاب دون أي تنبيه - عبر مكبرات الصوت - لبداية التوجه للبوابة المحددة. والتنبيه في مطاراتنا حكاية أخرى، فأصوات موظفي الإعلان للرحلات، في مطاراتنا الدولية والداخلية، أقل ما توصف بأنها أصوات نشاز مع الأسف! لدرجة أنني أحياناً لا أستطيع تمييز مخارج الحروف، وقد تكون الطامة طامتين حين يلتقي الصوت النشاز بمكبرات الصوت التي أكل الدهر عليها وشرب! ففي الدول الأخرى نسمع التنبيه للرحلة بوضوح وبعدة لغات، ويبدو أن هناك معايير دقيقة لاختيار الأصوات النسائية التي تقوم بالإعلان عن الرحلات؛ لذلك لا نسمع الأصوات النشاز التي تعلن أحياناً بطريقة غير مفهومة كما يحدث لدينا.
في الرحلة التي أتحدث عنها، لم يكن هناك أي إعلان حيث تم الاكتفاء بمناداة أحد الموظفين لمن هم قريبون منه، سألت الموظف لماذا لم يتم الإعلان عن الرحلة، فاكتفى بالقول "سيتم الإعلان الآن" ولا أدري هل هناك تعمد لعدم الإعلان عن الرحلة أحياناً، أم إن الموظف المختص لا يتواجد في الوقت المحدد للتنبيه.. تأخرت الرحلة حوالي نصف ساعة أيضاً، أقلع بنا قائد الطائرة دون أي اعتذار ودون تنبيه لسبب تأخر الرحلة عن موعد إقلاعها.
وبعد أن استقرت الطائرة في الجو وأطفئت إشارة ربط أحزمة المقاعد، طلبت مشرف الرحلة فجاء إليّ وللأمانة ، كان شاباً لطيفاً و(فهلوياً) أيضاً، إذ خمنّت أنه سيبيعني الطائرة لو طال الحديث بيننا! سألته لماذا لم يعتذر قائد الطائرة ويخبرنا بسبب التأخير، هل هناك عطل فني أم ماذا؟ فقال إن الكابتن لن يعتذر، لأن الرحلة وصلت إلى مطار جدة متأخرة، فقلت: ولكن هناك هذا (التطنيش) غير مبرر، وكابتن الطائرة يفترض أن يعتذر ويخبرنا عن سبب تأخر الرحلة. فقال: لا.. نحن نسير على نظام، واحد زائد واحد يساوي اثنين، الرحلة المتأخرة لا يعتذر لركابها، وأبلغني أنه سينقل ملاحظتي لقائد الطائرة. وصلت إلى محطة وصولي ولا أعلم هل نقل ملاحظتي فعلاً أم لا.
أتمنى فعلاً أن نسير على نظام دقيق فيما يتعلق بالرحلات الجوية، وأتمنى أن تكون الخطوط السعودية الناقل الوطني الأول، لكن لن تكون كذلك إذا لم تطور خدماتها، فأعرف كثيرين ، وأنا منهم ، لا يرغبون بالسفر على "السعودية" في الرحلات الدولية لعدم وجود منافسة حقيقية بين السعودية وبعض شركات الطيران الأخرى، كـ"التركية" أو "الاتحاد" وغيرهما؛ لأن هناك فارقا في السعر والخدمة، وهنا يفترض بناقلنا الوطني (السعودية) أن تكون أكثر التزاماً تجاه عملائها في الداخل ليثقوا بها في الخارج أيضاً، فمبادئ المنشار المعمول بها فيما يتعلق بالأسعار والرسوم الكثيرة والمتجددة على التذاكر لا يوجد مقابلها أي حوافز حين تتأخر الرحلات وتتعطل مصالح المواطنين، وأظن أن خطوة زيادة الوزن للأمتعة على الرحلات الداخلية لن تخدم سوى فئة قليلة، إذ أتمنى أن تكون "السعودية" أكثر كرماً على رحلاتها، وتبتعد عن تقديم الوجبات على طريقة "المقصف المدرسي" كما عبّر لي بطرافة أحد الركاب كان يجلس بجواري على رحلة من جدة إلى الدمام، مستغرباً تقديم مثل هذه الوجبة في رحلة طويلة كهذه.
إن استمرار التنافس مرهون بتعدد الفرص وسهولة الاختيار، صحيحٌ أن اكتساب ثقة العملاء أمر مهم، إلا أني أستطيع القول إن مشروع خصخصة الطيران الداخلي لم ينجح، وأظن أن احتكار الخصخصة على شركة أو اثنتين قد ألغى مبدأ المنافسة سلفاً؛ مما أدى في النهاية إلى إلغاء شركات الطيران التجارية لرحلاتها إلى بعض المناطق، والضحية دائماً وأبداً هم المواطنون الذين ما زالوا ينتظرون ما الله فاعل بهم!