من العناوين المبهجة نظرياً، المحزنة عملياً مانقرؤه كل يوم عن "براءة اختراع" لشاب سعودي هنا قليلاً، وهناااك بعيييييد كثيراً!
المبهج النظري لا يحتاج إلى كثير كلامٍ؛ إذ نواكب العالم الذي ينام كل يومٍ على مئات الاختراعات، ويصحو على مئات، ويحلم بينهما على مئات! وقليل من يعرف أن وظيفة "مخترع" من أهم وأغنى الوظائف هناااك بعيييد، منذ مئة عامٍ على الأقل! وأن هناااك بعيييد برضو "بورصة للأفكار"، يضارب فيها كبار المستثمرين وهوامير الصناعة! فيما يتسلى "هواميرنا" بالعبث بفقاقيع أسهم "الخشاش" على حساب جلطات الأسماك الصغيرة!
ولكن المحزن العملي أننا نكرس ثقافةً خاطئة لمفهوم الاختراع المختلط ـ اختلاطاً تاريخياً لا عارضاً ـ بمفاهيم الابتكار، والتطوير، والتحديث، وذلك من ناحيتين، الأولى: أن أكثر ماتسمعه من "اختراعات سعودية" لايعدو كونه تطويراً أو تحويراً لاختراع موجودٍ ومعروف، فـ"إذاعة طامي" التي أنشأها "طامي عبدالله العويد (1920ـ 2000) " أواخر الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، قبل إنشاء إذاعة الرياض الرسمية بسنتين، تعد إنجازاً فردياً مدهشاً لهذا الرجل، لكنها لاتجعله "مخترعاً"! وإلا فمن حق جدتي "حمدة"، صاحبة السيارة "دوجٍ حمر والرفارف سود" أن تطالب ببراءة اختراع أول "خضَّاضة لبن" عصرية؛ حيث استخدمت غسالة الملابس ذات العمود اللولبي الرجراج في وسطها، وبناء عليه يحق لها مقاضاة قناة "غنوة" على استخدام الأعمدة اللولبية نفسها في الرقص "الخضَّاض"!
أما الناحية الثانية للاختلاط المحزن فتتجلى في الاستثمار الخاطئ من الجهات الراعية لهذه المعارض، الذي ينحصر في الدعاية "البروبَغَنْدا" المكشوفة، دون أن يتبعها تشجيع لهؤلاء الشباب، بإنتاج أفكارهم وتسويقها بما يعود بالنفع العملي على الوطن؛ بدءاً من صاحب الفكرة، والجهة الراعية له، وانتهاءً بـ"المواااطٍ" العادي!
فوزارة "التربية والتعليم"، تستعرض ما تسميه "معارض الاختراعات" بما قد يشغل الرأي العام عن قضايا أخرى كالنقل، و"شهيدات الواجب"، والمقررات المهترئة، وثقافة الموت المتأصلة في بعض إداراتها خاصة النسائية! ولا أدعى للرثاء من أن تمارس الوزارة هذه الدعاية فتقول: انظروا! هؤلاء نماذج مشرفة من تلاميذ أولى/ مطبخ، وسادس/ بلكونة، وفي كتاتيبها آلاف المختبرات المعطلة من جيل جدتي "حمدة"، صارت كهوفاً للعناكب، والضواطير، والفئران، بل والثعابين!
أما وزارة "التعليم العالي" علوَّاً لايبلغه أحدٌ ولا أربعاء، فتدعم تلك المعارض دعائياً فقط؛ لتحسين موقعها في "تصانيف" الإنترنت العالمية! وها هي "جامعة طيبة" أمام مأزق حقيقي، إذ نجح مبتعثها إلى جامعة "أمريكية"، المهندس/ "رمزي لافي الأحمدي" في تطوير عملية تنظيف الآبار النفطية لصالح إحدى الشركات العالمية، فهل تستطيع الوزارة أن تقدم له مايصرفه عن إغراءات تلك الجامعة أو الشركة؟!