ارتبطت صفة الكيد في موروثنا الثقافي وخطابنا الاجتماعي بالمرأة، وهناك عشرات القصص الشعبية التي توجه أصابع الاتهام للمرأة الكائن الألعبان صاحبة الكيد والمكر القادرة على صيد أعتى الرجال في شباكها، وإيقاعهم في شرور مخططاتها الكيدية ! وستسمع من يتمترس وراء الآية الكريمة (إن كيدكن عظيم) والمقتطعة من سياقها السردي الوصفي في قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز ، ليتم ربط صفة الكيد بالمرأة دون أن يولي السياق السردي أية اعتبارات، ثم يصدر حكما شاملا تعميميا مجحفا يلصق الكيد بجنس النساء كافة ! في تجاهل تام أن الكيد سلوك بشري يقوم به الرجل والمرأة على حد سواء ، وهو أحد السلوكيات التي يلجأ إليها الضعيف عندما لا يستطيع أن ينال حقه ، وعندما لا يكون هناك تكافؤ في ميزان القوة ولا تساو في كفتي العدل !! فالضعيف يتحايل ويراوغ وينتهز الفرص لينال ما استلبه منه القوي، وما نهشه منه من حقوق !! ومن هذا المنطلق ارتبط المكر والكيد في تاريخنا بالمرأة التي ظلت رهينة لقيود الحريم، والتي كانت تحبس فيه مع عشرات - وأحيانا مئات وآلاف - غيرها من الجواري والقيان، وهنا كان لا بد للمرأة أن تلجأ للكيد حتى تعيد رجلها إلى حظيرتها، وتراثنا مليء بهذه القصص عن مكر النسوان وكيدهن لبعضهن البعض ، وكيدهن للرجل المتربع على عرش (الحريم) بزوجاته وجواريه !
بذات الآلية التي تتجاهل تماما السياق السردي المعبر عن مفاهيم قوم بعينهم ونظرتهم الدونية للمرأة وأفضيلة الذكر عليها، يورد خطاب امرأة عمران (وليس الذكر كالأنثى) -مقتطعا من سياقه- على أنه شرع يُحكم من خلاله بأفضيلة الذكر على الأنثى بصورة تأبيدية ! يتم أيضا القفز على السياق السجالي في القرآن الكريم لتكريس التمييز بين الأنثى والذكر، يقول الله تعالى وهو يساجل الكفار: (أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى. ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذا قسمة ضيزى. إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)، فالخطاب هنا لا ينتقص من الأنثى، ولكنه يعتبر أن إصرار الكفار على نسب الإناث إلى الله نوع من عدم توقير الذات الإلهية، كون القيم الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت تنظر للإناث نظرة تبخيسية انتقاصية ! وفي آية أخرى يساجل القرآن الكريم الكفار (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما)، فالكفار يدعون أن الله اصطفاهم بالبنين كون المكانة الاجتماعية للبنين في نسق عصرهم أعلى من مكانة الإناث، فيساجلهم القرآن من منطلق مفاهيمهم الثقافية والاجتماعية في استفهام إنكاري يتعجب من ادعائهم بأن الله تعالى اتخذ من الملائكة إناثا واصطفاهم هم بالبنين! أما آية (وللرجال عليهن درجة) فغالبا ما يستشهد بها مقتطعة من سياقها ومما سبقها فهي تلي قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ! والدرجة هنا قوامة الرجل على المرأة وهي تكليف وليست تشريفا، وهي مرتهنة بالإنفاق والأهلية، فلا قوامة دون إنفاق ولا قوامة لمن لا يملك من أمره رشدا!