اعترف كاتبا عدل بتزوير صكوك في ضاحية ثول، وفي ذيول القصة الشهيرة، وأعتذر هنا عن استخدام مفردة (تزوير)، فأنا مجرد ناقل لذات المفردة على الأقل من صحيفة واحدة استخدمت ذات العبارة. الاعتراف لا يفضي إلا لمسارين: الأول أن هذا لا يعني شكا أو تهمة في السواد الأغلب من الفضلاء من كتاب العدل. وكل قطاع وظيفي فيه من سائر ألوان الطيف، شأنه شأن التمثيل الاجتماعي العام لنسبة الإخلال والفساد وسوء استخدام المنصب والوظيفة، وحتى أنا سأعترف أنني أكتب لكم طوال العام على أوراق من مستخلص الحكومة وبأقلام من مستودعها، رغم أنني أقبض ثمن كل ورقة من قطاع خاص. القاعدة أن "كلا ميسر لما كان أمامه" وأظن أن الأراضي وعقود المشاريع لو كانت متاحة لي ولقراري ولتوقيعي لربما ضعفت نفسي أمام الإغراء، ومن أراد اختبار نفسه فليسألها عن جرأتها في سرقة الأشياء الصغيرة، لأن (الكبائر) تبدأ من مستصغر الجرأة. نحن نسرق البيضة طمعا في لحمة الديك. الثاني، أن المسألة في الاعتراف لا تنفي نقاء بقية شاردة. كل القصة أن الكشف على وكر الفساد رهن الماسح الضوئي الذي يكشف هذا صدفة ولكنه بالصدفة أيضا لم يصل لذاك. تبدأ مكافحة الفساد عبر الرقابة الاجتماعية وتبدأ الرقابة الاجتماعية حين يكون القطاع الوظيفي الواحد ممثلا بكل ألوان الطيف من المشارب والتيارات والمدارس والاتجاهات. المعضلة أن بعض قطاعاتنا الوظيفية (كانتونات) إدارية مقفلة. هذا فريق يسيطر على الصكوك والأراضي والجمعيات الخيرية وفي المقابل نقيضه يسيطر على عقود المشاريع والمناقصات والمشتريات الحكومية و(كمسيون) مفاوضات المقاولين والشركات. دعونا بصراحة ننبش عش الدبابير، فما المانع أن يكون كاتب العدل خريجاً في قسم الإدارة العامة؟ وما هي المواهب الخرافية التي تستلزمها طبيعة الوظيفة؟ ما المانع أن يكون مسؤول المشاريع و(عمداء) مراقبة المخزون والمشتريات خريجي شريعة؟ وما المانع أن يكون مسؤولو التموين الطبي، حيث الملايين النائمة، خريجي كيمياء أو محاسبة؟ والمهم أننا نضع المسؤول في هذه الأماكن أمام بوابة الإغراء لعشرين عاما متصلة ثم نطلب منه كبح جماح النفس، فمن هو ذاك البطل الذي سيصمد لعقود أمام هذه الملايين السائلة بين يديه ثم نطلب منه الخشية من البلل؟