بين الفينة والأخرى يحتفي الزميل العزيز، الكاتب هنا، عبدالعزيز قاسم ببعض رموز الخطاب الديني الذين كسروا أسوار ـ التابوه ـ ثم ذهبوا للأحساء والقديح والقطيف وله كامل الحق في الاحتفاء، ولكن: عليه أن يسأل السؤال، من هو الذي جعل من الذهاب إلى القطيف في الأصل قصة جرأة وتعايش مجلجلة تتسابق عليها العناوين البارزة في صدر الصحف؟ إنهم ذات الرموز الذين أحال عبدالعزيز قاسم ذهابهم إلى ما كانوا يحذرون منه، قصة تستحق الإشادة. هؤلاء يذهبون اليوم في خطوة أقف لها شخصيا ببالغ التقدير والاحترام، ولكن: هؤلاء ذهبوا فرادى وعليهم أيضا أن يشرحوا لكل الأتباع والمريدين لهم من طلبتهم كيف يتعاملون مع حشد هائل من الأدبيات والخطب والمحاضرات السابقة التي ساهمت في الهوة الواسعة بين أبناء وطن واحد. هؤلاء لهم أن يشرحوا لكل ـ الآذان ـ كيف تبلع كل ما سمعته من قبل. هؤلاء الذين صنعوا البطولة بالخطب من أجل مزيد من شعبية العوام هم أنفسهم، بحسب رأي الزميل العزيز، من يصنع اليوم تلك البطولة النقيض في موسم الهجرة إلى القطيف، ولكن أين الدرس؟
الدرس للجيل القادم من المفكرين والمثقفين والمبدعين والدعاة وقادة الرأي أن يستشرفوا الخطوة البعيدة جدا حين يبدأون الخطوة الأولى في قضايا الرأي العام. وقد نقبل بالتحولات والمراجعات بين موقفين لفرد واحد في رؤيته لعلاقتنا مع الصين أو الزرادشت، ولكن الحديث اللا موزون حول طائفة أو منطقة أو فريق من أبناء ذات الوطن الواحد قصة لا تقبل خلل الخطوة الأولى، وبالتأكيد ستكون لها رواسبها وذيولها المزعجة حتى بعد تراجعات الخطوة الأخيرة والبعيدة. هؤلاء الذين أسبغ عليهم الزميل العزيز أوصاف البطولة لهم أن يدركوا أنهم ذهبوا لهناك على مقعد طيران فردي مستقل، فكيف لهم أن يقنعوا كل من استمع إليهم من الحشود الهائلة من قبل؟ وهل سيقفون بكل الشجاعة حين يعودون أمام ذات الحشود ليدعونهم إلى الموقف الجديد؟ موسم الهجرة إلى القطيف يبرهن عن تعايش أفراد، ولكننا نطلب تعايش أجيال من أجل لحمة وطن. من أجل قصة وطن.