على مدى حلقتين الأولى بعنوان "المخدوعة" والثانية بعنوان "الوهم" علق برنامج "رأت عيني" الجرس في قضية العلاقات بين الجنسين ثم الابتزاز الناتج عنها! وهي مناطق ظلت طويلا مختومة بالشمع الأحمر في مجتعنا وثقافتنا، ولا تزال تدخل في دائرة المسكوت عنه لذا تشكر للبرنامج جرأته! ولكن رغم الجرأة في طرح القضية، إلا أن البرنامج على مدى حلقتيه ظل يلامس سطوح هذه القضية الشائكة والحساسة ولا يصل للعمق، ويشتغل على أعراض المرض دون القدرة على الوصول إلى أصله وجذوره! فالحلقتان ظلتا تعيدان وتزيدان في عرض حالات محزنة ومؤلمة لوقوع الفتيات في الابتزاز وحالة واحدة أو اثنتين للابتزاز المعاكس حينما تكون من تقوم بفعل الابتزاز امرأة، في مقاربة مبتسرة وهزيلة للأسباب تعتمد المقولات الوعظية المكررة، ولا تعتمد التحليل والتفكيك والدراسة العميقة لأصل الداء وأسباب الإشكالية!
أكد الشيخ عادل المقبل رئيس هيئة الفاروق والفيصلية -وهو الضيف الدائم للبرنامج - أنه تصلهم يوميا عشرات العشرات من المكالمات الهاتفية من فتيات يلجأن للهيئة للتخلص من الابتزاز! مداخلة مدير إدارة التوعية والتوجيه نواف العريجي أيضا تتحدث عن 20 ألف فتاة تعرضن للابتزاز وعن 100 اتصال في اليوم الواحد! نحن إذن أمام أرقام كبيرة ومشكلة خطيرة لم تحمنا خصوصيتنا السعودية العصماء من استفحالها! ألا يحق لنا أن نتساءل عن سر الهوس الجنسي في مجتمعنا ؟! وأين يذهب الكم الهائل من سيول المواعظ والدروس والمحاضرات الدينية التي تصب في ثقاقة المجتمع من خلال أقنية مختلفة ؟! وإذا كانت ثقافة الوعظ مجدية فلماذا لانرى لها تأثيرا فاعلا في سلوك الشباب والشابات ؟! بل ألا يحق لنا أن نتساءل ماذا فعلت الوصاية والرقابة والعزل التام بين الجنسين ، وهل حمت مجتمعنا من الرزايا الأخلاقية ؟! هل تمكنا مع كل المنع والحجر وعصا الرقابة المعلقة في مجتمعنا من حراسة الفضيلة والذود عن حماها ؟! ألا تستحق قضية خطيرة كهذه أن نعيد حساباتنا ونحاول النظر للأمور من زاوية مختلفة ؟! وهل يحق الاحتفاء بمحاولة قصقصة أعراض المرض والابتهاج بمنجز الهيئة بالإمساك بالمجرمين ، بينما يظل المرض هناك يفرز قيحه وسمومه في المجتمع ؟!
أخوف ما أخافه أن يساهم البرنامج – ولو من غير قصد- في زيادة الشك والتوجس من الفتيات وبالتالي إفقادهن الثقة في أنفسهن، وهو في تقديري من أكبر وأهم أسباب الانحراف السلوكي، فالقاعدة النفسية تقول إن الإنسان ينعكس عليه ما يظنه الآخرون فيه فيتمثله ليصبح صورة منه!
ختاما لابد أن أشيد بتمكن المقدم عادل أبو حيمد من أدواته وبسماحة الشيخ عادل المقبل، وأقول لفريق الإعداد: لا نريد أن ترى عيننا فقط، ولكن نريد أن تعي عقولنا الأسباب!