كما هو متوقع، قامت إسرائيل باستخدام القوة الفائقة ضد ركاب سفينة مرمرة وحاولت تقديم صياغتها الخاصة لكيفية تطور الأحداث وتشكيل الرد الرسمي للحكومة الأمريكية على الحادثة.
من أجل هذا أعدت إسرائيل نقاط حوار، طلبت مساعدة اللوبي الإسرائيلي، وجندت جيشا من الناشطين لمراقبة الصحافة والسياسيين والمواقع الإلكترونية والرد وممارسة الضغوط عليها.
نقاط الحوار الإسرائيلية قدمت واقعا بديلا وأكدت أن السفن شكلت خطرا قاتلا على إسرائيل ، لأنها كانت تحمل "متطرفين خطرين" (وهذا، لو كان صحيحا، يطرح السؤال: لماذا أطلقت إسرائيل سراحهم؟)؛ إن الجيش الإسرائيلي تعرض لكمين ولذلك تصرف دفاعا عن النفس (وكأن عناصر القوات الخاصة المقنعين المدججين بالسلاح الذين نزلوا في عتمة الليل كانوا هم الأبرياء)؛ إن الحمولة كان يمكن تسليمها بسلام إلى غزة لو أن السفن أنزلت حمولتها في إسرائيل (متجاهلين حقيقة أن المواد التي كانت على متن السفن شملت مواد مثل مواد بناء مسبق الصنع كانت إسرائيل قد منعت وصولها إلى غزة)؛ وأنه ليست هناك أزمة إنسانية في غزة (وهو أمر يتناقض مع إحصائيات منظمات غير حكومية محترمة حول معدلات الفقر وسوء التغذية بين الأطفال الفلسطينيين في غزة).
ردود الفعل العالمية على الهجوم العنيف وما نتج عنه من سقوط ضحايا كانت سريعة في إدانة السلوك الإسرائيلي، ولكن أيا من هذا لم يكن مهما لأن إسرائيل، في أزمات مثل هذه، تتصرف لإرضاء جمهور واحد. لا يهم إسرائيل أن تتعرض للغضب الدولي وأن يكون هناك تصويت 14 ضد 1 في مجلس الأمن الدولي، طالما أن ذلك الـ"1"، الولايات المتحدة، يقف بجانبها.
ضمن هذا الإطار، ربما أعطت بعض ردات الفعل الأولية في الولايات المتحدة قليلا من الراحة لإسرائيل، مع أن الأمر لم ينته بعد.
غالبية شبكات التلفزيون الأمريكية خصصت تغطية ضئيلة للمأساة أثناء حدوثها ، مما جعل المشاهدين المهتمين بمتابعة الموضوع يبحثون عن قناة الجزيرة الإنجليزية أو قناة بي بي سي لمتابعة الأحداث المأساوية. الصحافة المكتوبة كانت أفضل قليلا ولكن، كما قالت مجموعة (فير) للرقابة الإعلامية، كانت الصحف اليومية تنشر الأخبار غالبا "من خلال عيون إسرائيلية" معطية فائدة الشك للادعاءات الإسرائيلية ومركزة على الآثار المحتملة للحدث على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية بدلا من التركيز على محنة الفلسطينيين أو قانونية الهجوم الإسرائيلي في المياه الدولية.
في 1 يونيو، مثلا، نشرت صحيفة واشنطن بوست افتتاحية تدعو الإسرائيليين إلى "تخفيف القيود على كل من غزة والضفة الغربية" وأن تقوم بتحركات حقيقية نحو السلام مع الفلسطينيين، لكن ذلك جاء بعد أن أكدت الصحيفة أن الركاب على سفينة مرمرة كانوا "متشددين هاجموا الجيش الإسرائيلي بسكاكين وقضبان حديدية"، متهمة إياهم بأنهم مرتبطون بالقاعدة وأنهم قاموا "باستفزاز متعمد للمواجهة."
مجموعة متوقعة من أعضاء الكونجرس سارعوا لتأييد إسرائيل مكررين ادعاءاتها حول الحادث. بعضهم بالغ في ادعاءاته، مثل السناتور جون ماكين الذي ادعى أن الحادثة كانت "خطوة أخرى ضمن سلسلة من الأحداث المؤسفة بدءا من إصرار الرئيس أوباما بأن يكون هناك تجميد على بناء المستوطنات في القدس. القدس عاصمة إسرائيل وليست مستوطنة."
ولكن قبل أن يستنتج المرء أن القصة انتهت وأن الواقع تم إخفاؤه، انضمت أصوات أكثر عقلانية إلى النقاش، وهذه الأصوات تستحق الملاحظة.
نانسي بيلوسي، رئيس مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي، دعت إلى "تحقيق شفاف وذي مصداقية"، وكذلك فعل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري. أعضاء الكونجرس دينيس كوسينيتش، كيث إليسون، أندريه كارسون وبيتي كولوم أدلوا بتصريحات قوية عبروا فيها عن قلقهم، فيما ركز عضو الكونجرس وليام ديلاهونت على أهمية العلاقات التركية - الأمريكية مطالبا بـ"تحقيق متعمق مستقل ومحايد" في الوقت الذي امتدح فيه "قيادة تركيا المسؤولة للمنطقة."
من جانبها، كانت ردة فعل إدارة الرئيس أوباما مكبوتة في البداية، لكنها اتضحت في نهاية الأسبوع. مدفوعة بردة الفعل العالمية، والقلق من الرأي العام العربي الغاضب، وضغوط مطالبة الحليف التركي في الناتو بالعدالة، حددت واشنطن لنفسها موقفا أكثر توازنا ودقة. إسرائيل قد تقبل بالعزلة من المجتمع الدولي لكن واشنطن وجدت أن محافظة إسرائيل على حصار غزة أمر "لا يمكن الدفاع عنه" ووافقت على ضرورة وجود "تحقيق محايد" في الهجوم القاتل. متحدثا في البرنامج الحواري "لاري كينج لايف"، أدان الرئيس أوباما "الأفعال التي قادت إلى هذا العنف". ووصف خسارة الأرواح بأنها كانت "غير ضرورية"، ملاحظا أن إدارته تدعو إلى "تحقيق فعال في كل ما حصل." وخلص أوباما إلى أن من الضروري "أن نخرج من الطريق المسدود حاليا، ونستخدم هذه المأساة بحيث نعرف كيف نحقق متطلبات أمن إسرائيل ولكن في نفس الوقت نبدأ بمنح الفرصة للفلسطينيين."
ما هو واضح هو أن "جمهور الواحد" لم يخدع بالواقع البديل الذي قدمته نقاط الحوار الإسرائيلية. هذه القصة لم تنته بعد.