لم يشفع 36 عاما من عمر اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي لأن يكون شريكا محوريا في صناعة القرار الاقتصادي، فالاقتصاد الخليجي الذي يحظى بثروات النفط والغاز لم يصل إلى المستوى المأمول، وبخاصة مع تعثر الكثير من الملفات التي يراها المجتمع الاقتصادي هامة لدعم الحركة الاقتصادية البينية.
"الوطن" حاورت أمين عام اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي، عبدالرحيم نقي، للحديث عن دور الاتحاد في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية وعن بدايته وأزمته المالية، ورؤيته في التحول من التعاون إلى التكامل.
ما أهداف اتحاد غرف الخليج؟ وهل وصل للأهداف الاستراتيجية التي يتبناها؟
تقوم رؤية الاتحاد بكونه يمثل ركيزة القطاع الخاص في تطوير ودعم الاقتصاد الخليجي، أما رسالته فتتلخص في دعم وتطوير أداء القطاع الخاص الخليجي وجعله القطاع القائد لمسيرة التنمية والوحدة الاقتصادية بين دول المجلس. أما أهداف الاتحاد، فتتمثل في تفعيل دور القطاع الخاص في مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس للوصول للوحدة الاقتصادية، وإشراك القطاع الخاص الخليجي في صنع القرار الاقتصادي الخليجي، إلى جانب تقديم مجموعة من التسهيلات والخدمات المتخصصة ذات القيمة العالية التي يحتاجها القطاع الخاص، وكذلك إدماج القطاع الخاص الخليجي في الاقتصاد العالمي وتمثيله عربيا وإقليميا ودوليا.
كان لاتحاد الغرف محاولات لتفعيل ملفات هامة مثل التعرفة الجمركية وحركة التجارة، لكن لم تنجح إلى الآن.. ما الأسباب بوضوح؟ وما الملفات الأخرى التي تعد عالقة إلى اليوم؟
القطاع الخاص هو جزء من النسيج الاقتصادي العام لدول المجلس، ويتحرك ضمن الآليات المتاحة له حاليا، لذلك فإن تفعيل دور الاتحاد في تسهيل تنقل رؤوس الأموال والتجارة البينية يتطلب بدوره التحرير الكامل لحرية تنقل عناصر الإنتاج والاستثمار والعمل بين دول مجلس التعاون، أي التفعيل الكامل للاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وهو ما يعمل القطاع الخاص في الوقت الحاضر على تنفيذه من خلال عدد من المسارات، حيث سبق أن ذكرت أن الاتحاد رفع مذكرة متكاملة حول هذا الموضوع للأمانة العامة لدول المجلس.
التوجه المتسارع لقادة دول الخليج نحو التحول من مرحلة التعاون الخليجي إلى التكامل يضع على كاهل الاتحاد الكثير من المهام، ما تلك المهام وإلى أين وصلتم فيها؟
نرى من واجبنا التأكيد على أنه، وعلى الرغم من كافة الجهود والمستلزمات التي وفرتها دول مجلس التعاون من أجل إنجاح العمل الاقتصادي المشترك، إلا أنه وفي ظل التحديات والمستجدات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية التي تواجه دول المجلس في الوقت الحاضر، أصبح ينتظر من القطاع الخاص أن يأخذ الدور الريادي والمحوري في قيادة مسيرة التنمية الاقتصادية في ظل التوجه العالمي نحو العولمة وتحرير الاقتصاد بالاعتماد على قوى السوق من عرض وطلب. وينسحب ذلك على دوره في السوق الخليجية المشتركة أيضا. فقد أضحى الاعتماد على القطاع العام في الدول النامية عموما، وفي دول المجلس خصوصا، أمرا لا يحقق الأهداف الاقتصادية المنشودة بكفاءة وفاعلية. أما القطاع الخاص فهو الأقدر على ممارسة النشاطات الاستثمارية والإنتاجية في ضوء المتغيرات الراهنة بصورة تنعكس إيجابيا على الأداء الاقتصادي والتنموي للدول.
اختلاف الأنظمة والتشريعات بين الدول الخليجية فيما يخص القطاعات الاقتصادية ولا سيما التجارية يضع أمام الاتحاد تحديات كبرى.. ما دوركم في التنسيق لتوحيد الإجراءات بين الجهات المعنية في كل دولة؟
إن توحيد الأنظمة والتشريعات الاقتصادية الخليجية هو جزء من عملية التكامل الاقتصادي الخليجي. فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد بعمل دراسة متكاملة حول السوق الخليجية المشتركة شخّصت التشريعات والقوانين المطلوب توحيدها من أجل تفعيل قيام السوق الخليجية المشتركة وتحرير تنقل رؤوس الأموال والتجارة والاستثمار بين دول المجلس. نحن نعتقد أن الموضوع مرتبط بصورة وثيقة بتوفر الإرادة السياسية للوحدة الاقتصادية الخليجية، وهي موجودة ولله الحمد، لأن التفاوت في التشريعات وأوجه القصور باتا واضحين، والمطلوب مواصلة الخطوات التنفيذية لتفعيل قيام الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، علاوة على مواصلة العمل من أجل الوحدة النقدية. وهذه الجهود تنطوي في جانب رئيسي منها على توحيد التشريعات والأنظمة والقوانين. وإلى جانب التقدم بمقترحات حول التشريعات والأنظمة المطلوب توحيدها، فإن الاتحاد عرض في أكثر من مناسبة المشاركة في لجان مجلس التعاون الخليجي ليشارك بفاعلية في توحيد تلك التشريعات وتقديم مرئياته بخصوصها.
ما مكامن الخلل في تحقيق التكامل الاقتصادي، هل هي في القطاعات الخاصة ورجال الأعمال أم في الجهات الحكومية المنفذة؟
ـ بأي حال، لا يمكننا التقليل من شأن الإنجازات في مجال الوحدة الاقتصادية الخليجية، ولكننا نتفق أن الشوط لا يزال طويلا، وأن هناك الكثير من المعوقات المطلوب تذليلها وفقا لرؤية زمنية واضحة. لقد تم اتخاذ الكثير من الخطوات في مجال المواطنة الخليجية وتحرير عدد من الأعمال أمام دخول مواطني دول المجلس في المجالات التجارية والاستثمارية، كما بدأ العمل بنظام البطاقة السكانية في التنقل بين عدد من دول المجلس، وهناك أيضا الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وقيام المجلس النقدي، علاوة على العمل الجاري من أجل تفعيل إستراتيجيات العمل المشترك في مجال الصناعة والسكان والمشاريع المشتركة والربط الكهربائي، وغير ذلك.
ولا يخفى على أحد أن اتحاد الغرف الخليجية دعا وفي أكثر من مناسبة لأن يتم تطوير آليات اتخاذ وتنفيذ قرارات التكامل الاقتصادي الصادرة عن القمم الخليجية، فمن خلال تعرفنا على تجربة الاتحاد الأوروبي، فإن أجهزة الاتحاد تمتلك صلاحيات كاملة لاتخاذ وتنفيذ القرارات في المجالات الموكلة لها دون الحاجة لصدور قرارات وطنية في كل دولة على حدة لإعطائها الصبغة التنفيذية، لذلك فإن تأخر صدور قرارات وطنية في كل دولة خليجية لوضع قرارات القمم الخليجية، كما أن طلب بعض الدول عددا من الاستثناءات أو صدور القرارات من القمم في هيئة قرارات استرشادية أو إستراتيجيات عامة، جميعها يؤخر مسيرة العمل الاقتصادي الخليجي المشترك. كما برزت في بعض الحالات. الاتحاد الجمركي على سبيل المثال، تخوف من أن تلحق تلك القرارات الضرر ببعض المصالح المادية لبعض الدول، ولكننا نعتقد أن جميع هذه المخاوف لها حلول ومخارج يمكن الاتفاق عليها، إذا توفرت الإرادة والعزيمة لدى دول المجلس، ونحن واثقون من وجودها بالفعل.
تدوير منصب رئيس اتحاد غرف الخليج المستمر، هل ساهم في قصور الأداء، خاصة أن كل رئيس له فكر ومنهجية خاصة مما يضعف أي دور للخطط الاستراتجية للاتحاد؟
لا نتفق مع ما ذهبتم إليه، حيث إن تدوير رئاسة الاتحاد بين الدول الأعضاء يضفي عمقا وتنوعا أكبر لمسيرة الاتحاد، نظرا لما يملكه الأفاضل رؤساء الاتحاد، من واقع كونهم رؤساء الغرف التجارية في بلدانهم، من خبرة غنية وعميقة يسعون لنقلها للاتحاد.
كيف تجدون مستوى التعامل من الجهات الحكومية في دول الخليج، خاصة أن كثيرا من الملفات لا تزال عالقة منذ عشرات السنين؟
علاقات الغرف الوطنية الأعضاء في الاتحاد مع حكومات دول المجلس متميزة وجيدة، ومستوى الشراكة على صعيد مشاركتها في اتخاذ القرارات متفاوت بين بلد وآخر. كذلك علاقاتنا مع الأمانة العامة لمجلس التعاون متميزة ومتطورة، وهناك لقاءات ومشاورات مستمرة معها حول كافة القضايا الاقتصادية التي تهم القطاع الخاص. باعتقادنا أن المشكلة الرئيسية المشتركة، سواء على صعيد الغرف الوطنية أو على صعيد الاتحاد، تأخد بعدين رئيسيين: الأول هو ضرورة وجود مشاركة أكبر للقطاع الخاص في الأجهزة التخطيطية لبرامج التنمية في دول المجلس، وكذلك على صعيد اتخاذ القرار الاقتصادي والإشراف على المتابعة. والبعد الآخر هو هيكلية الاقتصاد الخليجي الذي لا يزال يتسم بهيمنة القطاع العام عليه أو على مرافقه وأنشطته الرئيسية.
ما أهم متطلبات تطوير التجارة البينية الخليجية؟
من وجهة نظرنا، فإن أهم متطلبات تطوير التجارة البينية بين دول المجلس تتمثل بالإسراع في توحيد جميع التشريعات واللوائح والإجراءات المنظمة للتجارة، سواء منها الجمركية أو غير الجمركية بين دول مجلس التعاون، إضافة إلى ضرورة الإسراع في توحيد قوانين المواصفات والمقاييس لتقليص العوائق الفنية، والاعتراف المتبادل بالمواصفات داخل دول المجلس من أجل زيادة التبادل السلعي بين دول المجلس، وكذلك إنشاء هيئة جمركية عليا لدول مجلس التعاون تشرف على الأداء الجمركي، مكونة من ممثلين عن الأجهزة الرسمية المعنية والقطاع الخاص، وتشكيل لجنة فنية لمتابعة إزالة المعوقات بين دول المجلس، بحيث تخول بالصلاحيات اللازمة لمعالجة هذه المعوقات بصورة مباشرة بالتنسيق مع الأجهزة المعنية. ويضاف إلى ذلك الانتهاء من مشروع الربط الآلي الجمركي بين إدارات الجمارك بدول مجلس التعاون، وتوضيح الإجراءات الواجب اتباعها من قبل المصانع التابعة للمناطق الحرة من أجل تسهيل التبادل السلعي داخل دول المجلس. وتتضمن المتطلبات أيضا زيادة توعية القطاع الخاص بالإجراءات المتبعة في المنافذ البينية، وعدم مطالبة المنتج الخليجي بأي شهادات أو مستندات إضافية غير منصوص عليها في اتفاقية الاتحاد الجمركي، بما في ذلك شهادات المطابقة والتراخيص، وكذلك تمديد عمل المراكز الحدودية إلى 24 ساعة لتسهيل انتقال السلع، خاصة السلع المعرضة للتلف، إلى جانب تحسين مستوى العاملين في المراكز الجمركية والاهتمام بإقامة دورات تدريبية، سواء على المستوى المحلي أو الخليجي لموظفي وزارات الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة. ولابد أيضا من توفير البيانات والإحصائيات والأدلة الإرشادية التي من شأنها المساهمة في تذليل الصعوبات، والمطالبة بأن تكون هناك تأشيرة دخول موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي لتسهيل التنقل بدول المجلس.
عدم وصول الاقتصاد الخليجي للمكانة المفروضة يدلل على وجود تقصير، فما التقصير بالضبط وكم تتحملون منه؟
التحديات والمعوقات التي تواجه الاقتصادات الخليجية مثلها مثل التحديات والمعوقات التي تواجه معظم دول العالم إن لم نقل جميعها، فالنفط وكونه يمثل المصدر الرئيسي للدخل لا يمثل في حد ذاته مشكلة، فهذا هو شأن معظم بلدان العالم التي تعتمد في صادراتها على سلعة وسلع محدودة. إن التحدي الأهم هو في كيفية تحويل الموارد النفطية المالية إلى استثمارات عينية ومادية تحول الاقتصاد إلى حالة من التنوع والحيوية. وقد قطعت دول المجلس شوطا كبيرا في هذا المجال، ولكن لا يزال أمامنا الكثير أيضا، ونحن ندعو هنا أن تتحول اقتصادات دول التعاون إلى الاقتصاد المعرفي، نظرا لما ينطوي عليه من قيمة مضافة عالية وتوليد وظائف مجزية، بعكس نمط الاقتصاد الراهن الذي يولد وظائف متدنية الرواتب يذهب أغلبها للأيدي العاملة الأجنبية، كما أن الاقتصادات الخليجية بحاجة للمزيد من معايير الشفاقية والمساءلة والحوكمة وإزالة مظاهر البيروقراطية والفساد والروتين.
نسمع من هنا وهناك أن اتحاد غرف الخليج يعاني من ضائقة مالية أثرت على أدائه منذ عدة سنوات.. ما صحة تلك المعلومات؟ وكيف تسير أمور الاتحاد ماليا؟ وهل من عقود دعم ورعاية جديدة ؟
صحيح أن موارد الاتحاد المالية محدودة، وهي أقل بكثير من طموحاته وبرامجه، لذلك كثفت الأمانة العامة للاتحاد خلال عام 2011 جهودها من أجل تحسين الوضع المالي للاتحاد وزيادة وتنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع استقطاب عدد من الرعاة والداعمين لأنشطة وفعاليات الاتحاد، حيث تمكنت من المحافظة على استقرار الوضع المالي للأمانة العامة للاتحاد.
ما الحلول للحصول علي دعم مالي مستمر يفي بمصروفاتكم؟ وهل لديكم خطط مالية؟
لدى الاتحاد، وفي إطار خطته الإستراتيجية، مراكز خدمات ربحية ضمن الاتحاد، مثل مركز الاستشارات ومركز الخدمات وغير ذلك من المراكز التي تقدم خدمات نوعية للأعضاء مقابل رسوم معينة. كما أننا سوف ننشط بصورة أكبر في مجال الحصول على الرعايات لكافة أنشطة الاتحاد. ولا ننسى أن الوضع الاقتصادي الذي يمر به القطاع الخاص الخليجي بعد الأزمة العالمية أثر نوعا ما على هذا المورد، لكنه سيعاود الانتعاش مع تحسن الأوضاع الاقتصادية.
ما مستويات التعامل مع أمانة مجلس التعاون الخليجي؟ وهل ساندتكم وكيف؟.. بوضوح؟
إن أحد المنطلقات الرئيسية لبرنامج عمل الاتحاد هو توسيع وتطوير أشكال التعاون والتنسيق بين اتحاد الغرف الخليجية ومجلس التعاون الخليجي، باعتبار أن هذا التنسيق والتعاون يمثل حجر الزاوية في نجاح برامج التنمية والتكامل الاقتصادية الخليجية.
منذ تسلمك الأمانة العامة أصبح اتحاد غرف الخليج أكثر حضورا على المستوى الرسمي والشعبي، خاصة في ظل التواجد في المحافل الإقليمية والعربية والعالمية.. نود أن نعرف القارئ بلمحة عن سيرتك الذاتية وإنجازاتك الشخصية؟
تمتد خبرتي في مجال العمل بالغرف التجارية والصناعية، وكذلك في الخدمات التجارية والتسويق، وتنظيم عدد من الفعاليات كالمؤتمرات والمعارض والندوات والبرامج التدريبية إلى أكثر من 25عاماً، سعيت خلالها لتحقيق عدد من الإنجازات الهامة، مثل تعزيز وجود اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف دول العالم، وتوقيع عدة مذكرات تفاهم مع عدد من الغرف العربية والأجنبية، مثل غرفة الصين، وغرفة الاتحاد الأوروبي، واتحاد الغرف الهندية وغرفة الولايات المتحدة، إلى جانب جذب عدد من المنظمات الأجنبية والشركات للاستثمار في دول المجلس، علاوة على بناء علاقة متميزة مع القيادات الفاعلة في دول المجلس، إلى جانب تفعيل دور القطاع الخاص في مواجهة التحديات والصعوبات التجارية والاقتصادية التي تواجهه.
وكنت أشغل منصب نائب المدير العام لغرفة البحرين، ثم منصب القائم بأعمال المدير العام للغرفة لأكثر من 10 سنوات قبل شغلي منصب الأمين العام للاتحاد عام 2007. كما أنني أشغل حاليا مناصب رئيس لجنة المعارض في اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي ورئيس لجنة تقنية المعلومات في الاتحاد، كذلك الأمين العام للجنة الوطنية البحرينية لغرفة التجارة الدولية.