أفهم أن تكون عداوتنا للكيان الصهيوني متأصلة ومتجذرة، فقد ترسخت عبر تاريخ مملوء بالمجازر والظلم والاحتلال، أفهم ذاك الكره العالمي الذي يحيط بالصهيونية وساستها الذين يمثلون إرهاب الدولة بأبشع صور.
لكن الذي لا أفهمه هو الكره الذي صاغته وحددت معالمه عقول يفترض أنها تنتمي لنا، عقول عقدنا عليها آمالا عظاما، وظننا أنها ستكون عونا لنا لا خنجرا في خاصرتنا، ولنصحو على خيبة أمل مريرة فضلال بعض أبنائنا وفلذات أكبادنا واقع نعترف به ونحاول التعامل معه بما يحقق المصلحة الوطنية بشكل عام، ومصلحة الضالين بشكل خاص، ومن هذا المنطلق دأبت لجان المناصحة والمدعومة من وزارة الداخلية على القيام بعملها على أكمل وجه، مناصحة أظهرت الأمل الذي يعقده ولاة الأمر على رجوع أبنائنا الذين ضلوا إلى سواء السبيل، أمل لم تنطفئ شعلته مع استهداف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظه الله، في شهر رمضان الكريم عام 1430هـ، الاستهداف الذي لم يكن الأول من نوعه فمن المعلوم أن سموه - حفظه الله - تعرض لعدة محاولات اغتيال، انتهت جميعها - ولله الحمد والمنة - بالفشل.
ويبدو من تكرار هذه المحاولات الفاشلة أن مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، بثباته واجتهاده المنصب في المقام الأول على خدمة دينه والدفاع عن أمن وطنه، وشعب المملكة والمقيمين فيها، ونجاحه في ذلك كله، استفز الإرهابيين وأظهر شرهم وفساد طويتهم، فكانت تلك المؤامرات تحاك ضده ليل نهار، وتحاك ضد كل رجال الأمن الأبطال في بلادنا الغالية، هذه المؤامرات هي مثال لما يحاك ضد ولاة أمرنا من أمراء ووزراء ورجال أمن وعلى كافة المستويات، وكيف لا يكون وهم الواقفون صفا واحدا في وجه الإرهاب الفكري والمادي وبكافة أشكاله؟! وكيف لا يكون كذلك وهم المحبطون لكافة مخططاتهم الإجرامية المتطلعة للنيل من وطننا واستقراره؟! ولن أبالغ لو قلت إن شعب المملكة بكافة أطيافه مستهدف من هؤلاء الذين خرجوا عن الشرعية وعاثوا في الأرض فسادا، المؤولون لتعاليم الدين الحنيف الذي يحرم قتل المدنيين ولو في ساحة الحرب، ممن أجازوا لأنفسهم الخروج عن الطاعة، ممن أجازوا القتل والخداع وكافة العمليات الإجرامية.
كما أني لا أفهم كيف جند هؤلاء النساء؟! وكيف جاز لهم ذلك؟! وكيف أجاز هؤلاء دفع (هيلة القصير) للهروب من أسرتها والمبيت مع غير ذي محرم؟! وعلى فرض ما وصلني صحيح من أنها كانت تبيت مع إخوتها من الرضاعة! فكيف جاز لها أن تخرج من بيتها ودون علم أهلها وتبيت في الخارج؟! وكيف حللوا لها ولغيرها خداع الناس ونهب أموالهم بدعاوى كاذبة؟! أموال ادعت أنها توجهها لإطعام الفقراء ولبناء المساجد ولعلاج المرضى، ولكنها على أرض الواقع خصصت لترويع أصحابها وقتل الآمنين، هؤلاء يذكرونني بقوله سبحانه: (هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).
لست هنا لمحاسبة هيلة ولا لمحاسبة غيرها، إلا أنني أسعى لفهم المنطق المعوج الذي سيرها وسير غيرها من نساء ورجال، ثم هل حبها لزوجها دفعها لمخالفات شرعية؟! ثم هل المطلوب بعد ذلك أن نشفق عليها؟! وهي التي خالفت تعاليم دينها، فتحدثت باسم الله سبحانه وطوعت قلوب الصالحات والصالحين لأغراضها الإرهابية، وسعت لنيل أموالهم وصدقاتهم وهي تنوي الغدر بهم وبالشرعية وبرجال الأمن.
ومن هنا آمل التوقف والتأمل في تخصص (هيلة القصير) فقد تخرجت من قسم الجغرافيا، وهو تخصص بعيد كل البعد عن العلم الشرعي، كما آمل أن نتأمل في ممارستها للنشاط الدعوي وهي طالبة في الكلية، فقد كان معلوما أن الطالبات يتجمعن حولها رغبة في حفظ كتاب الله سبحانه، ولا أستبعد أن هذا النشاط كان مدعوما من الإدارة التي يفترض أنها وجدت في مساعيها الخير فساندتها وأيدتها، وقد تكون مارست نشاطها ذاك داخل الكلية دون رقابة أو متابعة، وهكذا وجدت نفسها محط أنظار الطالبات، وهكذا نالت الاحترام والتقدير، ولا أستبعد أنها كانت ممن يسمع لهن ويؤخذ برأيهن، ولا شك أن ذلك جعلها تؤمن بقدرتها وتفوقها، تقديرا لم تحصل عليه من خلال دراستها في قسم الجغرافيا، بل من خلال قيامها بما كانت تعتقد أنه دعوة لدين الله.
ويشار هنا أن تخصص كافة منظري الفكر القاعدي إما بعيد كل البعد عن العلم الشرعي، أو ممن لم يكملوا تعليمهم، فزعيمهم (أسامة بن لادن) درس الهندسة، ونائبه (أيمن الظواهري) طبيب، وكل هؤلاء كانت مرجعياتهم الدينية منحصرة في قراءاتهم الفردية وتفسيراتهم الخاصة. وهي بطبيعة الحال لا تؤهلهم لتفسير الدين وإصدار الفتاوى الشرعية، أما (هيلة القصير) فمتخرجة كما أشرت آنفاً من قسم الجغرافيا، دراسة استغرقت من عمرها سنوات، نالت بعدها درجة البكالوريوس وأنهتها بتمزيق شهادتها، ويا ليتها غيرت كليتها أثناء الدراسة وانتسبت لكلية الشريعة فلعلها غيرت مسارها الإرهابي حينئذ.
وبما أن الدعوة ليست عمل من لا عمل له، وبما أن المطلع على الكتب الشرعية ليس مؤهلا بالضرورة للقيام بدور الداعية، أعتقد أن الواجب يحتم علينا توجيه من يرى في نفسه الهمة العالية ليكون داعية لمراكز متخصصة تعنى بتدريب الدعاة، وحبذا لو كانت تابعة رسميا لـ(وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) أو للكليات الشرعية، على أن يتلقى الطالب من خلالها دورات في العلم الشرعي وفي مهارات الاتصال، ويكلف بعد قضائه فترة التدريب باجتياز امتحان يعد خصيصا للدعاة، ينال بعدها رخصة معتمدة تؤهله القيام بدور الداعية، وخلال فترة محدد يلزم بتجديد هذه الرخصة بعد تقييم جهده ونشاطه الدعوي، واستند في طلبي هذا لقوله سبحانه وتعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). فهذه الآية تدل على أن التكليف بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يوجه لفئة أو جماعة معينة (ولتكن منكم أمة..) وهذه الجماعة لا بد أن تكون مؤهلة لهذه المهمة الجليلة، والله الهادي إلى سواء السبيل.