أرسل إلي الأخ مهند أشقر صورة من مقالة للكاتب علاء الأسواني بصحيفة الشروق المصرية بعنوان: "حكاية ممدوح حمزة" والتي يلخص فيها الكاتب قصة تبرع المهندس المصري الشهير ممدوح حمزة لبناء مساكن للفقراء المنكوبين من جراء السيول التي ضربت محافظة أسوان في مصر، والقصة باختصار هي أن المهندس قام عقب الكارثة بجمع تبرعات لبناء مساكن لهم من خلال البرنامج التلفزيوني "القاهرة اليوم" حيث استطاع البرنامج جمع ما يقارب 29 مليون جنيه مصري (حوالي 19.3 مليون ريال) واستطاع بناء 29 وحدة في زمن قياسي بلغ حوالي 3 أسابيع بتكلفة "غير مسبوقة" بلغت 35 ألف جنيه مصري للوحدة الواحدة (حوالي 23 ألف ريال).
مقالة علاء الأسواني كانت موجهة في أساسها لانتقاد الحكومة المصرية على ما وصفه الكاتب بأنه الفساد والعرقلة التي واجهها هذا المشروع من قبل الحكومة خاصة أن المساكن التي تقوم المحافظة ببنائها للفقراء تبلغ تكلفتها على حد تعبيره 80 ألف جنيه، وحقيقة الأمر أن مسألة الفساد أو العرقلة في مصر ليست في صلب اهتمام هذا المقال قدر ما هو إبراز نقطة بالغة الأهمية وهي القدرة على الابتكار.
فالمهندس ممدوح حمزة قام بمحاولة للالتفاف على التكلفة من خلال اعتماد نظم البناء المحلية إما باستخدام مواد بناء محلية خاصة بالمنطقة أو باستخدام طرق بناء غير مكلفة، وهو الأمر الذي حدا بالتكلفة لأن تصل لمثل هذه الأرقام الزهيدة، وإذا كنا بالتأكيد نعي أن مساحة وجودة البيوت التي تقدم للفقراء في مصر هي أقل من المقاييس التي قد يتوقعها الفقراء في المملكة فإن الفرق الشاسع في التكلفة يفتح الباب للكثير من التساؤلات حول الكيفية التي نتعامل فيها نحن في السعودية مع أزمة المساكن لدينا.
إن الابتكار في تصميم الحلول لمواجهة التحديات هو العمود الفقري للنجاح أيا كان هذا التحدي، وما قام به المهندس حمزة هو عدم الركون للمسلمات التقليدية في الحلول، والتي قد يكون الابتكار فيها ليس محاولة الإتيان بشيء جديد قدر ما هو البحث في إمكانية تطوير واستخدام الأسلوب القديم. إن النظر لتكلفة بناء المساكن في المملكة اليوم يجب أن يدعونا لإعادة النظر، ذلك أن أزمة المساكن في ازدياد بينما تظل الحلول تدور في فلك التعقيد بدلاً من فلك الابتكار وإنتاج الحلول الفعالة.
إن بناء بيوت بعشرة أضعاف مثل هذه التكلفة (230 ألف ريال) لهو سعر يحلم به الكثير من الشباب في ظل أزمة مساكن تقول بعض الإحصائيات إن العجز الحالي في المساكن يبلغ 2.5 مليون وحدة ويزداد سنوياً، وتقول بعض الإحصائيات أيضاً إن 75% من الشعب السعودي يعيشون على الإيجار ولا يملكون منازلهم.
النقطة الثانية في هذه المسألة هي تدخل الدولة في الواقع الاقتصادي، وهي مسألة أثبتت ضرورتها عقب الأزمة المالية العالمية حيث شهدنا تدخل حكومات الدول التي طالما دعت لحرية السوق، وبالعودة لمثال الدكتور حمزة فإن الدولة هي التي قامت بتوفير الأراضي التي تم البناء عليها، وبغض النظر عما حدث لاحقاً في هذا المثال من تضييق للدولة على المشروع فإن النقطة الأهم هنا هي ضرورة مناقشة التدخل القوي للدولة كلاعب في السوق.
إن عدم توفر الأراضي الكافية للبناء بأسعار معقولة هو أحد التحديات التي تواجه الشباب في المملكة وخاصة في المدن الكبيرة والتي اضطر البعض فيها للخروج 50 كيلومتراً خارج قلب المدينة فقط للحصول على أراض بأسعار في متناول اليد، في الوقت الذي لا تزال فيه العديد من الأراضي البيضاء داخل قلب المدينة دون تطوير ودون قدرة من الشباب على الحصول عليها.
هل من الممكن على سبيل المثال أن يتم تحويل الأرض الكبيرة لمطار الملك عبدالعزيز في جدة والتي تقع في قلب المدينة اليوم إلى مخطط تطويري كبير تقوده الدولة وأن يتم نقل المطار إلى خارج المدينة؟ هل يمكن أن تقوم الجهات المسؤولة باعتماد معايير البناء القديمة التي تعد أرخص تكلفة من طرق البناء الحديث مع تطويرها بما يتلاءم مع الواقع الحديث؟
لماذا لدينا أزمة مساكن في المملكة مع كل ما نملكه من ثروات ومن أراض شاسعة؟ إن الابتكار في الحلول ليس أحد خيارات الحل وإنما هو ثقافة عامة تنتج العديد من خيارات الحل.