قصة الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة، كما معظم الأزمات الاقتصادية، تبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية. فالعم سام اعتاد على أن يصرف أكثر مما ينتج، وفقا للمثل الشعبي القائل: "اصرف مافي الجيب، يأتيك ما في الغيب". وبذلك فمن الممكن تلخيص سلوك العم سام في أنه يهدر الأموال على شراء ما لا يحتاجه، بدون تطوير آليات الإنتاج أو مصادر دخل جديدة. وكما أن العم سام برز كقائد للاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فإن العديد من الدول الأوروبية قامت بتقليد سلوكياته الاقتصادية غير المسؤولة، طمعا في انتعاش اقتصادي سريع مماثل للرواج الحاصل في أمريكا. وحتى يتمكن العم سام من تغطية بذخه وإسرافه المالي، فقد اعتمد أنظمة وقوانين محاسبية متساهلة ومطاطة لأقصى الحدود. هذه الأنظمة مكنت الحكومة الأمريكية وشركاءها من خلق أرباح محاسبية غير حقيقية من أجل تجميل الميزانية العامة أمام الجماهير، مما ساعد الاقتصاد الأمريكي على البقاء متربعا على رأس اقتصادات العام.
ومع بداية الألفية الجديدة، بدأ العم سام يواجه بعض القلاقل المالية. فالتدفقات النقدية التي يعتمد عليها لتمويل عملياته الاقتصادية انحسرت بسبب انخفاض عائدات الضرائب. فالموظف الأمريكي انخفضت إنتاجيته وبالتالي انخفض دخله، ولكن على الرغم من ذلك، ولأن العم سام يريد الاستمرار بالصرف بنفس الطريقة التي اعتادها، فقد ذهب العم سام إلى السادة مورجان وتشيس وجولدمان لإقراضه بعض المال. وحين علم أصدقاء العم سام في الصين واليابان والدول المصدرة للنفط بأن شهيته للاقتراض باتت مفتوحة، قدم هؤلاء الأصدقاء المزيد من الأموال. بالطبع قطعت الحكومة الأمريكية وعودا بتخفيض نفقاته وضبط حساباته، ولكن سهولة حصوله على القروض دفعته إلى المزيد من الإنفاق.
استمرت السياسة الأمريكية المالية على نفس المنوال، ولكن الحظ لم يمهله طويلا. فنفقات الرعاية الصحية المتزايدة قلصت من عوائد الضرائب مرة أخرى. وجدت العديد من المتغيرات القانونية والمناخية التي زادت من النفقات الضرورية. مما دفع الولايات المتحدة لطرق أبواب المقرضين مرة أخرى، الذين رحبوا به ترحيبا حارا، ولكن كان لهذا الترحيب مقابل مادي.
ولأن العم سام بات مثقلا بالديون، فإن الديون الجديدة ستكون أعلى كلفة، وبالتالي فإنه سيضطر لدفع المزيد من الفوائد، وهذه الفوائد المتزايدة يوما بعد يوم، استنزفت جزءا كبيرا من الأموال المقترضة مؤخرا، وبالتالي نفذت أموال القروض الجديدة بأسرع مما كان العم سام يتصور.
وهكذا دخل العم سام في حلقة مفرغة، فقد أصبح يقترض المزيد من المال ليسدد قروضه القديمة والفوائد المترتبة عليه. وبالتالي لم يعد قادرا على تمويل بذخه الاقتصادي عن طريق القروض.