في غمرة انشغال المشهد الثقافي (محليا) منذ (بنات الرياض) بالرواية، في مشهد يعيدنا لانشغال المشهد خلال الثمانينيات بما سمي (معركة الحداثة) ثم انشغاله خلال التسعينيات بالشعر الشعبي، كان (النقد) بمثابة (الخروف الأسود)، وعلا صوت عديد الكتاب متذمرين منه لحد ذهاب بعضهم إلى إقرار عدم وجود (حركة نقدية) فاعلة، اللهم عدا فلتات فردية هنا وهناك، أي بالمعنى المطلق انعدام وجود تيار نقدي مواز (للصخب الروائي) الذي اندلع في غفلة من الانتباه وانفجر كبالون تائه.
كأحد الشهود (فيما أزعم) أجدني أقف على مقولات وكتابات تتوسل مقاربة (نقد الرواية)، تطرح أفكارا نظرية، ورؤية (عمومية)، وقلة ممن تجدهم يقدمون أفكارهم النقدية عبر كتابات تطبيقية تستقرئ النصوص، وتفكك الخطابات، بأقصى قدر ممكن من الموضوعية والنأي عن حكم القيمة.
الاتجاه الأخير، يغري بمجادلة فنية، ومنح قدرة على التأمل، وفي تقديري هو ما يحتاجه المشهد الروائي أكثر، ولنا في تجربة مشابهة، حين كان غالبية نقاد القصيدة الحديثة (في الثمانينيات) يميلون إلى النقد التطبيقي، باتجاهاته كافة، الشكلانية والواقعية، بل حتى القراءات المؤدلجة جاءت تطبيقية، وإن كانت تفتقد أدوات ومفاهيم التعاطي مع الفن.
ارتهن مجمل المنتج الروائي على اختلاف مشاربه ومنطلقاته، لمراجعات صحفية، باهتة وبائسة في أغلب الأحيان، ما حال دون بزوغ مقدمات لرؤى نقدية تتعالق مع المصطلح، وتفضي لخلق تيار يؤسس لوعي فني جاد.
لم يدخل النقد والإبداع في حوار مواز ومكافئ، نتيجة ما أشرت إليه آنفا، بما يفضي إلى حالة (ثقافة قراءة).
مثلا، عندما خرج علينا الزميل عبدالله بن بخيت بـ (شارع العطايف)، كنت أنتظر مراجعة للرواية من منظور اتجاهات (الواقعية القذرة) حتى وإن قال الروائي الكوبي (بيدرو خوان غيتييريز): "ما من شيء قذر في كتبي. ليس هناك أدب واقعي نظيف وآخر قذر. ثمة واقع فقط".
مؤكد أن الرواية في السعودية انطلقت من واقع، بصرف النظر عن طبيعة وماهية هذا الواقع، غير أن من المؤكد أن الأدب طبقا لبيدرو يولد من الأزمات ومن التضاد، يولد على حدّ الشفرة. الأمر عينه نجده في الرسم، في الموسيقى. يقول بيدرو (لا نستطيع ببساطة أن نذهب إلى كوبا كي نتعلم عزف الإيقاعات. يتطلب الأدب مواقف محددة. هناك أدب تأملي، تحليلي، فلسفي، وثمة أدب، كأدبي، أكثر ديناميكية، أكثر سينمائية. في كتبي، يقوم القارئ بتحليله الخاص. هناك القليل من الأنثروبولوجيا، القليل من الجنس، إنه يشبه العمل التوثيقي. لا أقدم أبداً مفاتيح التأمل. على كل شخص أن يقوم بقراءته الخاصة). اللافت هنا أنه حتى القراءات الخاصة حول الرواية السعودية محدودة جدا.
هل يا ترى هذا هو سبب اندفاع الكثير لكتابة الرواية؟