متطلبات أمن الوطن وترسيخ دعائم استقراره تستلزم جهدا حثيثا ومتواصلا لدعم مقومات الحياة، وتفاعل الفرد البنّاء في البناء والتنمية، بشكل إيجابي مستدام، وتنشيط منابع البهجة والسرور والجمال والحق، وإغلاق منافذ الشر والكآبة والكراهية والقهر، التي أطلقت بانطلاق الصحوة غير المباركة، مسببة التشدد والتعصب وناشرة الكراهية ومغلقة فضاء الحريات وخيارات الأفراد.
وقراءة أحداث الواقع اليوم تجبرنا على وضع المنطق على طاولة التفكير والنقد والتفنيد، قبل أن يصبح الأمر أقوى من تحمله وأبعد عن مجال السيطرة عليه، خاصة ونحن نعاني من مخرجات الفكر المتشدد الموظف في الإرهاب داخل وطننا الغالي.
واليوم هيلة القصير تتصدر أشهر الأسماء المنتمية لفكر القاعدة الإرهابي، بما تحمله وتتحمله من دور بارز في تمويل وتجنيد وإيواء الإرهابيين، أهّلها لأن تحمل وصف أخطر امرأة في القاعدة، فقد كانت لها اليد الطولى بتحويل عدد من الشباب إلى فيلق انتحاري، إذ هي مسؤولة عن قيادة أكثر من 60 عنصرا متورطا بعمليات إرهابية إضافة إلى إيوائها لمطلوبين في منازل آمنة.
تمكنت هيلة القصير خلال العامين الماضيين من جمع تبرعات للتنظيم في اليمن، تحت غطاء بناء مساجد ودور أيتام، وقامت بتحويل مبالغ مالية (فاقت المليوني ريال) عبر عمليات غسيل أموال، وكانت تستجلب صغيرات السن من ذوي المطلوبين أمنياً لإدراجهن في التنظيم سواء عبر توفير الدعم المادي أو المعلومات عن ذوي المطلوبين وأحوالهم، إضافة لاستقطابها عدداً من زوجات المطلوبين لتهريبهن، من ذلك دورها الكبير في تسلل وفاء الشهري إلى اليمن، مؤدية مهمات التنسيق للرجل الثاني في تنظيم القاعدة في اليمن سعيد الشهري زوج وفاء.
هذه بعض الأدوار والأعمال الإرهابية لهيلة القصير، ومع ذلك عندما نقرأ التعاطي معها نجده مثيرا للغرابة والاستنكار ومفضيا لأسئلة تلح على عقول المتدبرين، ففي برنامج حصاد الأسبوع في قناة المجد تحدث الداعية وعضو المجلس البلدي وعضو لجنة المناصحة عبدالله السويلم عنها بمبدأ الأخوة منادياً إياها بالأخت:
"الأخت هيلة القصير امرأة بسيطة جداً، كانت تحمل بعض الأفكار بعد مقتل زوجها فتولد عندها شيء من الضغوط النفسية وحب الانتقام"، مؤكداً أنها "تعلقت بعد مقتل زوجها المكيل "الزوج الثاني" بحب شباب الجهاد"، طبعا هذا الحب شرعي! وإلا فالحب في أدبيات الوعظ محرم وكل ما يفضي إليه أيضاً محرم، حسب القاعدة الفقهية الشهيرة.. ولكن حساب العواطف يختلف - يبدو لي - مع الإرهابيات!
وبعد وصفها بالبساطة والعفوية ينقض هذا المعنى بقوله:
"جلست معها ساعة ونصف إلى ساعتين ووجدت امرأة "عاقلة"في طرحها وكلامها وتوجهها، تشعر منها التدين، لكنها "مسكينة" اخترقت وفق حماسات معينة، وفكرها الجهادي من باب التشفي والانتقام لزوجها الذي قتل". ثم ينقض العقلانية مرة أخرى ليعود لتأكيد بساطتها وعفويتها وضعفها العلمي، فهل توصف بالضعف العلمي من تحمل البكالوريوس؟!
وأكد السويلم أن المناصحة نجحت في جعلها تشعر بالندم، واصفاً ذلك بقوله "بعد أن جلسنا معها شعرنا بأنها نادمة بعد أن كانت تكفر نظام الدولة وتحمل على رجال الأمن خاصة رجال المباحث بعد مقتل زوجها".
ويبرر لوجهة نظرها الإجرامية وحبها للقتل، كمن يقدم الأعذار لحقدها، فيقول "كانت تستغرب مقتل زوجها دون إصابة رجال الأمن، فأخبرناها أن العشرات قتلوا وأصيبوا"، وأخذ يسرد لها أمثلة عن تسامح الرسول صلى الله عليه وسلم، طالما حفظناها وتعلمناها عن رسول الهدى مذ كنا صغاراً، وهاهي تعاد وعظاً على إرهابية توصف بالداعية!
ويكمل: "من المناصحة تغيرت العديد من أفكارها فورا، وأوضحنا لها الكثير مما خفي عليها ووضعناها في موقف الذين تعرضوا للتفجير"! يقول: قلت لها: "وكيف لو كانت ابنتك ضحية لذلك؟ فصدمت بالفعل"!
كل التغير الجذري لأفكارها الإرهابية جرى في ساعة ونصف؟! هذا ليس منهج مناصحة بل سحر يؤثر، إنه حوار أشبه بحوار مع جاهلة لا متخرجة بشهادة بكالوريوس وعملت معلمة، بل ومسؤولة في الكلية عن تحفيظ القرآن، وتتولى المواعظ الإرشادية للنساء بمسمى داعية!
وبعد مناصحة السويلم لها والذي أظهر فيه استرجاع أعمالها لها، وكأنها فاقدة للذاكرة أو مجنونة، سأله المذيع: هل ندمت؟ قال" من المؤكد أنها ندمت وتحسرت، وأتمنى لو كان هنا خط ساخن لتسمع بنفسك ندمها"،! وطبعا لم ينس أن يكمل بحديث منبَت عن وقته وأسبابه مثل "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وحديث العبادة الخاصة بالمرأة"المرأة إذا أقامت فرضها وصامت شهرها وحصنت فرجها..."، وأكمل بغلط عفوي" وأطاعت ربها"، ليستدرك بسرعة" وأطاعت بعلها"، ليدرك العاقل فعلا من واقع الغلط حقيقة الأمر، فالطاعة حق لله على العباد لاحق للعباد على العباد بإطلاقها! لكنهم أصحاب ملك، بجعل التعبد لله يمر عن طريقهم!
أما د. السعيدي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، فيرى أن التهديد في هذا الوقت جاء لشغل الناس عن أسطول الحرية، وإشغال الرأي العام باغتيالات الأمراء والوزراء، والدليل أن خبر هيلة تأخر عن خبر أسطول الحرية، وهل أسطول الحرية أهم من أمن وطننا ليستغرب تقدم وتأخر الأخبار في صحفنا المحلية؟!
وقال بالحرف "ولا الفتاة مهمة ولا شيء بل مستغلة كالأخوات الأخريات".. المجرمون مستغلون من حيث لا يشعرون، عذر أقبح من ذنوب إرهابهم! وبتعاطف غير محسوب ولا مدروس.
ويأتي صوت الداعية علي المالكي "والداعية مهنة من لا مهنة له في هذا الزمن" هادرا موجها المصيبة كلها ومجيرها لفكر المؤامرة ، وهو أسلوب يعتمده الكثير لصرف الأنظار عن القراءة الواقعية للأحداث من واقع معطياتها الحقيقية "فئة طحنتها الأفكار الغربية، وهم يعملون تحت مظلة مخططات وشعارات أجنبية بل وسفارات ودول تسعى للإطاحة بهذه البلاد"، مشيراً لأصابع صهيونية وأمريكية وإيرانية!
ويداخله السعيدي قائلا "أعتقد أن أكثرهم مغرر بهم شرعيا وكثير منهم طلاب حق، والعوفي وهو أمير التنظيم في اليمن لما تبين له الحق رجع"! لتنقلب الحلقة في نهايتها إلى منبر دفاع عن الإرهابيين، بوصف أغلبهم طلاب حق!
قال أحد الضيوف جملة خطيرة جداً "والله لو نعلم الخروج سيصلح الأمور لا تبعناهم، لكننا نعلم ما قاله الرسول بأنه حق ونلتزم به حتى لو كان خلافا لهوانا"، لا أدري ما الأمور التي تقلقه ليصلحها، إذ هي فاسدة في اعتقاده؟ ولم لا يكون هواه تبعا لما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به ، كما جاء في الحديث الشريف؟!
إن إزالة اللبس عن تبني فكر الإرهاب تأتي بامتحان بسيط يخضع له الجميع وهو قبول أن: "الدين لله والوطن للجميع". لو عملنا به لأدركنا منهج الحياة قبل أن يدمره الإرهابيون.