سألني صحفي نابه: متى يصبح لنا مجلة ثقافية تضاهي دبي الثقافية. والعربي الكويتية. والدوحة القطرية. والهلال المصرية. ونزوى العمانية فقلت له: نحن بحاجة ملحة إلى مجلة ثقافية تستوعب الخطاب الثقافي الراهن. بكل مقتضياته ومرتكزاته الراسخة في الوعي المعياري والإجرائي. ويتعالق مع الحقبة الزمنية. وينتمي إلى عصره ومنظوره. فلدينا وفرة ورصيد معرفي يبحث عن آنية ووعاء يليق به. لتتقاسم معه الفاعلية وتجليات المرحلة. وتنضح بالإبداع ونبرة الاستحضار المنشود. وتوق الجموح والتجاوز والتخطي. لقد مللنا فوضى التشرذم. وتوزع التجارب وتخليق تلك الاهتمامات المبعثرة والمتشظية. فوقعنا في دوامة (المعاضلة) التي تحول بيننا وبين المغامرة الإبداعية. من خلال مجلة ثقافية تشيع المعرفة الحقة. وتنهض بذلك المخزون. وتستبطن تلك العوالم. لقد مللنا مجلات الإمتاع والمؤانسة. والتي أطفأت فينا فتيل الرغبة والطموح. وبعثت فينا أشواك التصحر واليباب. إنني أتصفح تلك المجلات القادمة من وراء الحدود فأشعر بالامتعاض والانكسار وأحس بما يشبه الطرقات على جمجمتي كما يفعل ملاكم متمرس. إنها تثير عاصفة من حوار الذات. وتطرح أمامك أسئلة كرمح إفريقي حاد. كيف صنعوا هذه المجلات وأشعلوا ذاكرة الكتابة بهذا الرقي؟ كيف وظفوا التنمية في خدمة الثقافة؟ كيف خرجوا بهذه الأعمال من الشكل التقليدي الممجوج إلى هذه الفضاءات والابتناءات؟ كيف امتاحوا تجاربهم وبحثوا لها عن حواضن بهذا الجمال والحرفية؟ لقد ازدهرت تلك المطبوعات حين أطفأت داخلها حمى الرتابة. وعززت حضورها بالمدهش من الثقافة الحية والمتحركة. إنني أدعو وزارة الثقافة والإعلام والمؤسسات الثقافية في بلادنا لتبني إصدار مجلة ثقافية تشعل الضوء وتدون تاريخنا المعرفي. الذي يخرجنا من أكمام التثاؤب. وأعشاش الأمنيات. ولتجسر الهوة بيننا وبين الآخرين ولتحررنا من قبضة الغياب الممض والشاحب وتوصلنا إلى فسحة الاحتفالية والارتواء بذلك المنجز المتوثب بين أيدينا كنجمة ساحلية. نريدها كالشمس كالمطر كوعاء العطر حين تخصب حقولها بكل العطايا. وتغمرنا بصباحات الوعي المثمر. تعبنا من التحديق في صادرات غيرنا وكأننا طارئون على موائد الفكر وسلال الإبداع ومرايا التاريخ. نريد مجلة ترتب الفوضى والشتات. وتملأ دواخلنا بالدهشة. وتوقظ جذوة العراك والحراك والتجاذب. نريد إصداراً يطوف المعمورة كالقنديل الأخضر على رفوف وأجنحة هذا التراب المعشب ليلتقط منه هذه الشرفات والإضاءات والتدفقات والإشراقات. ولتكون وثيقة وصك إثبات أننا شعب يتمتع بالبحث الدائم عن الجوهري والاكتمال الإبداعي والدينامية عبر أطروحاته التي تفصح عن حيوية متعاظمة. ووعي مبكر غير منحجب عن اللحظة أو مصطدم بجدار العصر.